فالعابد يعبده ـ سبحانه ـ فيقوم بوظيفته المناطة به، وهي العبودية لله ـ عز وجل ـ ثم يطلب الهداية والعون من المعبود سبحانه؛ لأن العبد دوماً في فقر وحاجة إلى الرشد وإلى الإعانة في كل سكناته، ولا يهدي إلى الخير، ولا يعين عليه إلا الحق سبحانه.
والمعبود ـ سبحانه ـ يرشد ويهدي ويعين ويوفق هذا العابد للقيام بأمر العبودية؛ لذا فإن أي عملية تحول حضاري ـ كما تدبرنا الآية الكريمة السابقة، وكما نتأمل في هذه التجربة الدعوية ـ تقوم على ركيزتين أساسيتين:
القاعدة الأولى: الدور الإلهي.
وتلك هي الإرادة أو المشيئة الإلهية في عملية التغيير، أو هو قَدَر الحق سبحانه.
وهذه هي أولى القواعد المهمة في عملية التغيير الحضاري، وهو الدور الإلهي، أو دور القدرة الإلهية في تحقيق العمل.
وفي القصة التي بين أيدينا نجد أن هذا الدور يترجم في إرادة الحق ـ سبحانه ـ في عملية التحول الاجتماعي؛ حيث أرسل الرسل الثلاثة إلى القرية.
القاعدة الثانية: الدور البشري.
وهو الفاعلية أو الحركة الإيجابية البشرية، التزاماً بأمر الله عز وجل.
حيث نجد أن هؤلاء الرسل الكرام، أو تلك الطليعة المؤمنة، قد تحركت بفكرتها الربانية، وذلك بعد صياغتها إيمانياً، وعلى أساس التربية الربانية على الفكرة الربانية.
تحركوا لمهمة أو دور عظيم، ألا وهو البلاغ، أو الدعوة إلى الله عز وجل.
وكأن حركتهم ومشيئتهم دائرة صغرى، داخل دائرة كبرى هي المشيئة الإلهية.
فتدبر دور قدر الله ـ سبحانه ـ في ناموسية التغيير التاريخي، والتحول الحضاري، وهو دور لا يلغي دور البشر بل يتوافق ويتناغم معه. وهو ملمح تربوي يعطي الداعية ثقة في فاعليته وفي طريقه ثم في غايته.
فإن كان له مشيئة يتحرك من خلالها في حرية؛ فإنما هي تحت رعاية المشيئة الإلهية. ووجود إحداهما لا تلغي وجود الأخرى.
إذن فهنالك رعاية وحفظ وقوة تجري به وعليه أقدار الله وسننه في الأنفس والآفاق.