وأول هاتين الصفتين نلمحها من قوله: ﴿اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا﴾ [يس: ٢١]؛ أي اتبعوا هؤلاء الكرام الذين لم يتكسبوا بفكرتهم، ولم يطلبوا أجراً نظير وعظهم، ولم يتعيشوا بدعوتهم.
ألا ترون من لا يسعى إلى مغنم، ولم يطمع في أجر، وتنزه عما بأيديكم؛ ألا يدل ذلك على صدقه؟!
وهي السمة التي يتميز بها أصحاب الدعوات.
وتأمل كيف أنكر الحق ـ سبحانه ـ على مشركي مكة موقفهم من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو الذي لم يطلب أجراً يثقل كاهلهم، فيدفعهم إلى التكذيب: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ﴾ [الطور: ٤٠].
وهو الرد نفسه من نوح ـ عليه السلام ـ على قومه المكذبين: ﴿وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى اللَّهِ﴾ [هود: ٢٩].
وهو أيضاً الاستنكار نفسه من هود ـ عليه السلام ـ على موقف عاد: ﴿يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [هود: ٥١].
والترفع عما بأيدي الناس، أو العفة والنزاهة، هي سمة بارزة لكل طليعة مؤمنة، وهذه السمة هي سبيل الكرامة والاحترام، ومن مسوغات قبول الناس للفكرة، وسبب أساس لكسب حبهم، كما قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: «لا تزال كريماً على الناس ما لم تعاط ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك، وكرهوا حديثك، وأبغضوك».
؟ السمة الحادية عشرة: حسن السيرة والسلوك:
أما الصفة الثانية التي لاحظها الرجل المؤمن؛ فهي أن هؤلاء الرسل: ﴿مُّهْتَدُونَ﴾ [يس: ٢١].
أي أن السمة الأخرى التي جعلت الرجل المؤمن يتحرك، ويخاطر بنفسه، ويدافع عن هؤلاء الدعاة، هي أن هؤلاء الرسل يتميزون بالصلاح والهداية، ولا يشين سلوكهم أي شائبة أخلاقية تقدح في صدقهم.


الصفحة التالية
Icon