وعلى الرغم من أن التحرك كان ممثلاً في حركة رجل واحد، ولكننا نستشعر من مغزى التعبير القرآني: ﴿مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ﴾؛ أن الفكرة قد انتشرت وشملت كل طوائف المجتمع، ووصلت إلى كل مكان مستطاع.. إلى أقصى المدينة.
وهذا ما يدل على نجاح الدعاة في كسر طوق التعتيم والتجهيل، واختراق الحصار الرهيب للفكرة، وإيصالها لكل المجتمع. ونستشعر أن التحرك الجماهيري للنصرة؛ جاء من الذين يعيشون في أقصى المدينة، ولم يأت من القريبين لمكان الحدث!
وتدبر كيف رفضت قريش دعوته -صلى الله عليه وسلم- بينما قبلها ونصرها الأنصار في المدينة!
إذن لا بد أن تكون القاعدة الجماهيرية واسعة الانتشار، تشمل كل الفئات والطوائف، وتشمل كل الأمكنة؛ لأن الطليعة المؤمنة لا تدري من أين سيأتي التحرك لنصرتها، وهذا هو الشرط الكمي في تكوين الرأي العام المناصر.
؟ السمة الرابعة: تميز النوعية:
تذكر الآيات أن الذي تحرك في تلك الظروف الحرجة، هو نوعية معينة من البشر، نوعية زكاها الحق ـ سبحانه ـ عندما أخبرنا أن المناصرة جاءت من موقف ﴿رَجُلٌ﴾.
ولقد ورد عن الرازي ـ رحمه الله ـ حول (تنكير رجل) فائدتان وحكمتان:
الأولى: أن يكون تعظيماً لشأنه؛ أي رجل كامل في الرجولية.
الثانية: أن يكون مفيداً لظهور الحق من جانب المرسلين، حيث آمن رجل من الرجال لا معرفة لهم به، فلا يقال إنهم تواطؤوا (١).
وهي سمة مهمة يجب أن تكون مقياس مدى قوة القاعدة المناصرة، وهو أن تكون من نوعية من الرجال بمعنى كلمة الرجال، حتى لو كانوا رجالاً مؤيدين أو محايدين.
فكلمة رجل على الأقل تحمل معنى أنه سيقول رأيه وسيتحمل تبعة ذلك!

(١) - مع قصص السابقين في القرآن، الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي، طبعة دار القلم، دمشق، ٣ / ٢٤٩.


الصفحة التالية
Icon