فالقضية الكبرى ليست أن يكون هناك من يعلن رأيه، بل أن يكون مستعداً لتحمل تبعة هذا الإعلان.
وهذا هو الشرط النوعي في تكوين الرأي العام المناصر.
؟ السمة الخامسة: الجدية والقوة في التنفيذ:
وعندما نستمر في تدبرنا لموقف الرجل المؤمن؛ نجد أنه قد تحرك وجاء بنفسه، بل أتى من أقصى المدينة، ثم تذكر القصة أنه جاء ﴿يَسْعَى﴾.
أي أنه جاء يسرع في مشيته، وهو ما يبين مدى الجهد الذي بذله للوصول إلى مسرح الأحداث، وهو المكان الذي كان يبتلى فيه الرسل، وذلك حتى يصل في الوقت والمكان المناسبين، ليعرض رأيه في القضية، ولينتصر لهؤلاء الرسل ضد رغبة قومه.
وهو ما يبين مدى الجدية والقوة في محاولة تنفيذ ما عنّ له، ومدى حرصه على عرض رأيه في الوقت المناسب.
وقد بينا أن مقياس الكمال البشري أن يعرف الإنسانُ الحقَّ من الباطل، ثم يتبع هذا الحق بقوة وجدية، فالمواقف الحاسمة لا يلزمها مجرد الأداء الوظيفي الراتب، بل الجدية في الأداء، والإصرار على الموقف، وهما من السمات المهمة للتحولات الاجتماعية.
؟ السمة السادسة: معرفة تاريخها وأصلها:
لقد بدأ الرجل المؤمن خطابه مناشداً قومه: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ﴾.
ناداهم بخطاب فيه حكمة وشفقة وعاطفة؛ لأنه منهم ويعرف طبيعتهم، ويعرفونه.
ونستشعر من مغزى كلمة ﴿يَا قَوْمِ﴾ أنه ـ وإن ذكرت الآيات أنه كان رجلاً ـ ليس في عزوة أو منعة من قومه، ولكنه مجرد رجل عامي، وأنه من هؤلاء القوم ومن تلك العشيرة.
وذلك أدعى أن لا يشكك أحد في سابق معرفته بالدعاة، أي ليست هنالك شبهة للتواطؤ، كما ذكر الإمام الرازي ـ رحمه الله ـ.
وكذلك فليس هنالك مجال للشك في أصله، فهو من هؤلاء القوم، ومن البيئة نفسها.


الصفحة التالية
Icon