صَافَّاتٍ }(النور: ٤١). فإذا كان في هذه القراءة كذلك، فلفظ الطائر، وإن كان مفردًا، فهو بالإضافة شامل لكل ما يتطير به، فهو في معنى الجمع، فتكون القراءتان متوافقتين.
وقيل: للشؤم طائر، وطَيْر، وطِيَرة ؛ لأن العرب كان من شأنها عيافة الطير وزجرها، والتطيُّر ببارحها، ونعيق غرابها، وأخذها ذات اليسار، إذا أثاروها. فسمُّوا الشُّؤْمَ: طيْرًا، وطائرًا، وطِيَرَةً ؛ لتشاؤمهم بها. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يتفاءل، ولا يتطير.
وأصل الفَأْل: الكلمة الحسنة يسمعها عليل، فيتأوَّل منها ما يدل على بُرْئِهِ ؛ كأنْ يسمع مناديًا ينادي رجلاً اسمه: سالم، وهو عليل، فيوهمه سلامته من علته. وكذلك المُضِلُّ يسمع رجلاً يقول: يا واجد، فيجد ضالته. والطَّيَرَةُ مضادة للفأْل، وكانت العرب مذهبُها في الفأل والطيرة واحد، فأثبت النبي ﷺ الفألَ واستحسنه، وأبطل الطيرة ونهى عنها. فعن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:« الطَّيَرَةُ شرْكٌ، وما منَّا إلا.. ، ولكن الله يذهبه بالتوكل ». رواه أبو داود والترمذي.
قال ابن الأثير: هكذا جاء الحديث مقطوعًا، ولم يذكر المستثنى. أي: إلا قد يعتريه التَّطَيُّر، ويسبق إلى قلبه الكراهة، فحذف اختصارًا واعتمادًا على فهم السامع.. وإنما جعل الطِّيَرَةَ من الشرك ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن الطير تجلب لهم نفعًا، أو تدفع عنهم ضرًا، إذا عملوا بموجبه ؛ فكأنهم أشركوه مع الله في ذلك، وهذا من الشرك الخفيِّ. وقوله:« ولكن الله يذهبه بالتوكل » معناه: أنه إذا خطر له عارضُ التطيُّر، فتوكَّل على الله تعالى وسلَّم إليه، ولم يعمل بذلك الخاطر، غفره له، ولم يؤاخذه به.
وقولهم:﴿ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ ﴾ استفهام متضمِّن لمعنى الإنكار، جوابُه محذوفٌ، تقديره:« تطيرتم بنا ». أو قلتم هذا القول. وهو وجوابه المحذوف جوابٌ عن قول الكفرة:﴿ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنّا عَذابٌ أَلِيمٌ ﴾. والمعنى: أتفعلون ذلك بمن يعظكم، ويدعوكم إلى عبادة الله الواحد الأحد، ويبيِّن لكم فساد عقيدتكم، وسوء أفعالكم بالأدلة والبراهين ؟