الأجر، فلا يريدون منهم دنيا، ولا رياسة. فموجب الاتباع كونهم مهتدين، والمانع منه منتف، وهو طلب العلو في الأرض والفساد وطلب الأجر.
وقوله:﴿ مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً ﴾ كلمة جامعة في الترغيب فيهم. والمعنى: لا تخسرون معهم شيئًا من دنياكم، وتربحون صحة دينكم. والتعبير عن كونهم مهتدين بالجملة الاسمية ﴿ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ يفيد أن الاهتداء صفة ثابتة فيهم، وملازمة لهم. والجملة حالية، فيها ما يؤكِّد كونَهم لا يسألون الأجر، ولا ما يتبعه من طلب جاه، أو سلطان، أو رياسة، أو نحو ذلك.
سابعًا- وأضاف الرجل المؤمن قائلاً:﴿ وَماليَ لا أَعْبُدُ الّذي فَطَرَني وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * ءَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ * إِنّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبينٍ * إِنّي آمَنْتُ بِرَبّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴾، فاحتج على قومه بما ركَّبه الله تعالى في فطر الناس وعقولهم من حسن عبادته وحده، وقبح عبادة غيره ؛ لأنه الفاطر لهم، ولا إله لهم غيره، ولا رب لهم سواه، وهو وحده المستحق للعبادة. وهذا ما قرَّره سبحانه وتعالى في كتابه، ودعا إليه، وأوحى به إلى رسله، فقال جل شأنه:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾(الأنبياء: ٢٥).
ولهذا افتتح الرسل جميعهم دعوتهم بهذا الأصل الذي يقوم عليه الدين كله ؛ كقول نوح- عليه السلام- لقومه:﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾(الأعراف: ٩٥). وكذلك قال هود، وصالح، وشعيب- عليهم السلام- وغيرهم. كلٌّ كان يقول:﴿ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾، اقتداءً بإمام الحنفاء إبراهيم- عليه السلام- الذي حكى الله تعالى عنه مناظرته لقومه، فقال سبحانه وتعالى:﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾(الزخرف: ٢٦- ٢٨).
فهذه الكلمة هي كلمة الإخلاص لله جل وعلا، وهي البراءة من كل معبود ؛ إلا من الخالق الذي فطر الخلق جميعهم ؛ كما قال صاحب ياسين هنا:﴿ وَماليَ لا أَعْبُدُ الّذي فَطَرَني وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾، فأخرج الحجة عليهم في معرض المخاطبة لنفسه، وهو يريد