وفطركم. وفي ذلك تحقيق للحق، وتنبيه على بطلان ما هم عليه من الآلهة أربابًا من دون الله تعالى. وأيضًا لو أنه قال:﴿ إِنّي آمَنْتُ بِرَبِّي ﴾، لكان جواب قومه عليه: ونحن آمنا بربنا. ومثل هذا قوله عليه الصلاة والسلام:﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾(الشورى: ١٥).
وفي قوله:﴿ فَاسْمَعُون ﴾- كما ذكر الفخر الرازي- فوائد:
أحدها: أنه كلامُ مُتَرَوٍّ متفكِّر. فإن المتكلم، إذا كان يعلم أن لكلامه جماعة سامعين، يتفكَّر.
وثانيها: أنه ينبه القوم، ويقول: إني أخبرتكم بما فعلت، حتى لا تقولوا: لِمَ أخفيت عنا أمرك ؟ ولو أظهرته، لاتبعناك.
وثالثها: أن يكون المراد: السماع الذي بمعنى القَبول. يقول القائل: نصحته، فسمع قولي. أي: قبله.
وقرأ الجمهور:﴿ فَاسْمَعُونِ ﴾، بكسر النون، على نية الياء. وروى أبو بكر عن عاصم:﴿ فَاسْمَعُونَ ﴾، بفتح النون. قال أبو حاتم: هذا خطأ، لا يجوز؛ لأنه أمر: فإما حذف النون، وإما كسرها على نية الياء. وأثبت الياء يعقوب، فقرأ:﴿ فَاسْمَعُونِي ﴾.
ثامنًا- ويسدل بعد ذلك الستار على الدنيا وما فيها من حطام، وعلى القوم وما هم فيه من كبر وعناد، وما هم عليه من كفر وشرك، ونرى الموت نقلة من عالم الفناء إلى عالم البقاء، وخطوة يخلص بها المؤمن من ضيق الأرض إلى سعة الجنة، ومن تطاول الباطل إلى طمأنينة الحق، ومن تهديد البغي إلى سلام النعيم، ومن ظلمات الجاهلية إلى نور اليقين. ونرى هذا الرجل، الذي جهر بكلمة الحق، وقذف بها في وجوه قومه الطغاة، نراه في الجنة ينعم بما ادَّخر الله له فيها من كرامة، تليق بمقام المؤمنين المخلصين الصابرين، ونسمعه، وهو يتمنى أن يعلم قومه بما غفر له ربه، وجعله من عباده المكرمين؛ وذلك قوله تعالى:


الصفحة التالية
Icon