﴿ قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمي يَعْلَمُونَ * بِما غَفَرَ لي رَبّي وَجَعَلَني مِنَ الْمُكْرَمينَ ﴾
وظاهر قوله تعالى:﴿ قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ ﴾ أنه إِذْنٌ له بدخول الجنة حقيقة، إكرامًا له بعد أن قتله قومه ؛ كسائر الشهداء. قال قتادة: أدخله الله الجنة، وهو فيها حي يرزق. وقيل: معناه: وجبت لك الجنة، فهو خبر بأنه قد استحق دخولها. ولا يكون ذلك إلا بعد البعث. ولم يأت في القرآن أنه قتل ؛ ولهذا قال الحسن: لما أراد قومه قتله، رفعه الله إلى السماء، فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السموات، وهلاك الجنة، فإذا أعاد الله الجنة، دخلها. وجمهور المفسرين على القول بأنه قتل. وذكر ابن عطيَّة أن الأحاديث والروايات تواترت بأنهم قتلوه. وقول قتادة الذي تقدم ذكره، ليس نصًّا في نفي القتل.
وقال تعالى:﴿ قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ ﴾، ولم يقل:﴿ قِيلَ لَهُ ادْخُلِ الجَنَّةَ ﴾ ؛ لأن الغرض من ذلك هو بيان المقول، لا المقول له، لظهوره وللمبالغة في المسارعة إلى بيانه. وفي ذلك إشارة إلى أن الرجل قد فارق الدنيا. وفيه - أيضًا- دلالة على أن الجنة مخلوقة.
والجملة استئناف لبيان ما وقع له بعد قوله ذلك، وقع جوابًا عن سؤال نشأ من حكاية حاله ومقاله ؛ كأنه قيل: كيف كان لقاء ربه بعد ذلك التصلُّب في دينه، والتسخِّي بروحه لوجهه تعالى ؟ فقيل:﴿ قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ ﴾. وكذلك قوله تعالى:﴿ قالَ يا لَيْتَ قَوْمي يَعْلَمُونَ ﴾ هو استئناف آخر لبيان حاله، وقع جوابًا عن سؤال نشأ من حكاية حاله ؛ كأنه قيل: فماذا قال عند نيله تلك الكرامة ؟ فقيل:﴿ قالَ يا لَيْتَ قَوْمي يَعْلَمُونَ ﴾:﴿ بِما غَفَرَ لي رَبّي وَجَعَلَني مِنَ الْمُكْرَمينَ ﴾.
وفى معنى تمنِّيه قولان: حدهما أنه تمنى أن يعلم قومه بحاله ؛ ليعلموا حسن مآله وحميد عاقبته، إرغامًا لهم. والثاني: أنه تمنى أن يعلموا بذلك ؛ ليؤمنوا مثل إيمانه، ويصيروا إلى مثل حاله التي صار إليها.
وقوله:﴿ بِما غَفَرَ لي رَبّي وَجَعَلَني مِنَ الْمُكْرَمينَ ﴾ إشارة إلى أن العمل الصالح يوجب أمرين: أولهما الغفران. وثانيهما: الإكرام ؛ كما قال تعالى:{ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا