وقرأ ابن عباس، والضحاك، وعلي بن الحسين، ومجاهد، وأبي بن كعب:﴿ يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ ﴾، على الإضافة إليهم، لاختصاصها بهم، من حيث إنها موجهة إليهم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما:« يا ويلا العباد »، وهو قول حسن مع قراءته. وقرأ الأعرج بن جندب، وأبو الزناد:﴿ يَا حَسْرَهْ على الْعِبَادِ ﴾، بالوقف على الهاء، إجراء للوصل مجرى الوقف ؛ وذلك للحرص على بيان معنى التحسر، وتقريره للنفس. والنطق بالهاء في مثل هذا أبلغ في التشفيق وهز النفس ؛ كقولهم: أُوْه، ونحوه.
وتنكير الحسرة في قراءة الجمهور:﴿ يَا حَسْرَةً ﴾ للتكثير. والألف واللام في ﴿ الْعِبَادِ ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: للمعهود، وهم الذين أخذتهم الصيحة، فيا حسرة عليهم. وثانيهما: لتعريف الجنس المستعمل في الاستغراق، وهو استغراق ادعائي، رُوعِيَ فيه حال الأغلب على الأمم التي يأتيها رسول لعدم الاعتداء في هذا المقام بقلة الذين صدَّقوا الرسل ونصروهم ؛ فكأنَّهم كلهم قد كذبوا.
والحسرة: التلهفات التي تترك صاحبها حسيرًا. أي: شديد الندم والتلهف على نفع فائت. وحرف النداء هنا لمجرد التنبيه على خطر ما بعده ؛ ليصغي إليه السامع. وكثُر دخوله في الجمل المقصود منها إنشاء معنى في نفس المتكلم دون الإِخبار، فيكون اقتران ذلك الإِنشاء بحرف التنبيه إعلانًا بما في نفس المتكلم من مدلول الإِنشاء ؛ كقولهم: يا خيبة. يا لعنة. يا ويلي. يا فرحي. يا ليتني، ونحو ذلك قوله تعالى:﴿ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾(النساء: ٧٣). وقوله تعالى:﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً ﴾(الفرقان: ٢٨).
و﴿ الْعِبَادِ ﴾ اسم للناس، وهو جمع: عبد. والعبد هو الممْلوك. وجميع الناس عبيد لله تعالى ؛ لأنه خالقهم والمتصرف فيهم. قال تعالى:﴿ رزقاً للعباد ﴾. ويجمع على: عبيد، وعباد. وغلب الجمع الأول على عبد بمعنى مملوك، وغلب الجمع الثاني على عبد بمعنى آدمي، وهو تخصيص حسن من الاستعمال العربي. ومن الأول قول الله عز وجل:﴿ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ (آل عمران: ١٨٢). ومن الثاني قوله تعالى:﴿ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ (البقرة: ٢٠٧)، وقوله:﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا ﴾(الكهف: ٦٥).