أي: أوصي السابقون اللاحقين أن يقولوا لكل رسول يأتيهم من ربهم، أنت أيها الرسول ساحر أو مجنون!
وقوله سبحانه: "بل هم قوم طاغون": إضراب عن تواصيهم إضراب إبطال، لأنهم لم يجمعهم زمان واحد أو مكان واحد، حتى يوصي بعضهم بعضا، وإنما الذي جمعهم تشابه القلوب، والالتقاء على الكفر والفسوق والعصيان.
أي: هل وصى بعضهم بعضا بهذا القول القبيح؟ كلا لم يوص بعضهم بعضا، لأنهم لم يتلاقوا، وإنما تشابهت قلوبهم، فاتحدت ألسنتهم في هذا القول المنكر.
ثم تسلية ثالثة نراها في قوله تعالى: "فتول عنهم فما أنت بملوم".
أي: فأعرض عنهم أيها الرسول الكريم وسر في طريقك دون مبالاة بمكرهم وسفاهتهم، فما أنت بملوم على الإعراض عنهم، وما أنت بمعاقب منا على ترك مجادلتهم..
وداود على التذكير والتبشير والإنذار مهما تقول المتقولون، فإن التذكير بما أوحيناه إليك من هدايات سامية، وآداب حكيمة.. ينفع المؤمنين.
وشبيه بهذه الآيات في تسلية الرسول - ﷺ - عما أصابه من أذى، قوله تعالى:[﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ "٤٢" وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ "٤٣" وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ "٤٤"﴾ (سورة الحج: ٤٢ ـ ٤٤)]
وأما دعوته - ﷺ - على الاقتداء بإخوانه الأنبياء السابقين في صبرهم، فناره في آيات متعددة.. منها قوله سبحانه:[﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ.. ﴾ (سورة الأنعام: ٩٠)]
وقد جاءت هذه الآية الكريمة بعد أن ذكر الله تعالى لنبيه - ﷺ - في الآيات السابقة عليها أسماء ثمانية عشر نبيا، ثم أمره بالاقتداء بهم فقال:[﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ.. ﴾ (سورة الأنعام: ٩٠)]