فبعد بيان حال مشركي العرب الذين أصروا على الكفر، ضرب الحق تعالى لهم مثلا يشبه حالهم في الإفراط والغلو في الكفر وتكذيب الدعاة إلى اللّه، وهو حال أهل نلك القرية الذين كذبوا الرسل فدمرهم اللّه بصيحة واحدة، فإذا استمر المشركون على عنادهم واستكبارهم، كان إهلاكهم يسيرا كأهل هذه القرية، وتكون قصتهم مع رسل اللّه، كقصة قوم النبي - ﷺ - معه.
وينتهى المثل الذي ضربه اللّه سبحانه وتعالى لأصحاب القرية فى الآية السابقة على هذه الآيات ـ ينتهى بهذا التعقيب الذي بدأت به الآيات التي نحن بين يديها الآن، ومن هذا التعقيب يكون المنطلق الذي تنطلق فيه الآيات بعد هذا، فتواجه المشركين الذين استمعوا إلى هذا المثل، وتعرض عليهم مشاهد من قدرة اللّه سبحانه وتعالى، ومن آثار رحمته فى خلقه، لعلهم يجدون فى هذه المشاهد، ما يفتح قلوبهم وعقولهم إلى اللّه، حتى يؤمنوا، ويلحقوا بركب المؤمنين، قبل أن تفلت من أيديهم تلك الفرصة السانحة، ثم لا يكون منهم إلا الحسرة والندم، ولات ساعة مندم. (١).
المعنى العام :
بعد أن ذكر أن هؤلاء المشركين قد ختم اللّه على قلوبهم فهم لا يؤمنون - أردف ذلك ذكر مثل لقوم حالهم كحالهم في الغلوّ في الكفر والإصرار على التكذيب، والاستكبار على الرسل، وصم الآذان عن سماع الوعظ والإرشاد، وهم أهل تلك القرية، فقد كان قصصهم مع رسل اللّه كقصص قومك معك، فى العناد والاستكبار والعتوّ والطغيان. (٢)
أي اجعل يا محمد أصحاب القرية التي سيأتيك خبرها لهؤلاء مثلا في الغلو والعناد والكفر مع الإصرار على تكذيب الرسل، والمراد : طبق حال مشركي مكة الغريبة بحال أصحاب تلك القرية إذ جاءهم المرسلون، حين أرسلناهم اثنين فلم يكن مجيئهم
(٢) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٢ / ١٥٠)