منكم مالا، ولا يسعى إلى رئاسة أو غرض وهم مهتدون سائرون على الطريق الحق، والمنهج القصد، وهذا كاف في اتباع الرسل لو أنصف الناس.. وكأنهم ردوا عليه وقالوا له : أنت مؤمن بهم وبأنهم رسل اللّه، وصدقتهم في عبادة إله واحد ؟ قال : وما لي لا أعبد الذي خلقني وأبدعنى على تلك الصورة ؟ أى مانع عندي يمنعني من عبادة من فطرني وخلقني فسوانى في أحسن صورة ؟ وإليه وحده ترجع الخلائق يوم القيامة للثواب والعقاب، وهكذا المنصف يعبد اللّه لأنه خلقه، أو يعبده لأنه سيحاسبه. فهو يعبد رغبا أو رهبا.
أأتخذ من دونه آلهة لا تنفع ولا تشفع، ولا تبصر ولا تسمع، إن أرادنى الرحمن بضر، لا تدفع ضره ولا تغنى عنى شفاعتهم شيئا، ولا هم ينقذوننى مما بي فلأى شيء يعبدون ؟ أليست العبادة تقديسا لمن يستحق التقديس ؟ ! إنى إذ أعبد حجرا أو مخلوقا لا ينفع ولا يضر إنى إذا لفي ضلال مبين.
اسمعوا يا قومي : إنى آمنت بربكم وربي فاسمعون.
قيل له : ادخل الجنة، فهل قيل له بعد الموت ؟ أو بشر بهذا ممن لا يكذب فبنى على تلك البشارة ما يأتى ؟ وعلى الرأى الأول يكون ما يأتى حكاية لحاله يوم القيامة، وعلى الثاني فكلامه في الدنيا سيق عبرة وعظة للناس يا ليت قومي يعلمون بغفران ربي لي حيث جعلني من المكرمين يوم القيامة بالثواب الجزيل والأجر العريض، وهذا حال المؤمن المصدق لرسل اللّه. (١)
إن تقسيم الكتاب الكريم إلى الأجزاء الثلاثين لوحظ فيه العدّ اللفظي لا الاتصال المعنوي، إذ كثيرا ما تكون بداءة الجزء في أثناء القصّة الواحدة كما هنا، فإنه بعد أن بين حال الناصح الشهيد ودخوله الجنة - أردف ذلك ذكر حال المتخلفين المخالفين له، ثم ذكر سنة اللّه في أمثالهم في العذاب الدنيوي ثم هم يردّون إلى ربهم فيعذبهم في الآخرة. (٢)
(٢) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٣ / ٤)