يا ليت قومي يعلمون بمآلي وحسن حالي وحميد عاقبتي، فيؤمنوا مثل إيماني، فيصيروا إلى مثل ما أنا فيه من نعيم، وليتهم يعلمون بما أنعم اللّه عليّ من مغفرة لذنوبي، وبما جعلني في زمرة المكرمين المقربين الشهداء الذين منحهم ربهم الثواب الجزيل والفضل العميم. وهذا شأن المؤمن المخلص يحب الخير للناس جميعا، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ : قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ " فَلَمَّا دَخَلَهَا " قَالَ : يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ قَالَ :" فَلَا تَلْقَى الْمُؤْمِنَ إِلَّا نَاصِحًا، وَلَا تَلْقَاهُ غَاشًّا، فَلَمَّا عَايَنَ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ " قَالَ : يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ " تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ أَنْ يَعْلَمَ قَوْمُهُ مَا عَايَنَ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ " (١).
"هذا هو المثل، وتلك هى مواقف الشخصيات والأحداث فيه..
وعلى ضوء هذا المثل يرى المشركون الضالون، إلى أين يسير بهم كفرهم وضلالهم، وإلى أين ينتهي الإيمان بالمؤمنين الذين استجابوا لرسول اللّه، واستقاموا على الطريق الذي يدعوهم إليه!."
قوله تعالى :« وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ ». "هو تعقيب على قوله تعالى على لسان العبد المؤمن :« يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ».. إنهم لن يعلموا شيئا، ولو علموا ما آمنوا.. إنهم لا يؤمنون إلا إذا نزل عليهم ملائكة من السماء، بعد أن رفضوا الرسل، لأنهم بشر، وقالوا « ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ».. واللّه سبحانه لم يرسل إلى قوم ملائكة حتى تتحقق أمنيتهم فيهم، وما كان اللّه مرسلا ملائكة إلى هؤلاء المشركين، الذين كانوا يقولون :« لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا ؟ » (٢١ : الفرقان) ويقولون :« ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ؟ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً » (٧ : الفرقان).
وإذن فليمت هؤلاء المشركون على شركهم، كما مات فرعون وقومه من قبلهم على كفرهم.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فى الآية التالية :« إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً