فَإِذا هُمْ خامِدُونَ ».. إنها صيحة الموت، التي يقضى بها على النّاس، مؤمنهم، وكافرهم.."
وهذا لتحقير شأنهم، فإن إنزال الملائكة لعظائم الأمور، وهؤلاء لا يحتاجون لإهلاكهم جندا من السماء، بل أهلكناهم بصيحة واحده، كما قال تعالى : إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً، فَإِذا هُمْ خامِدُونَ أي ما كان إهلاكهم إلا بصيحة واحدة صاح بهم جبريل، فأهلكهم، فإذا هم أموات لا حراك بهم.
وقوله : إِنْ كانَتْ أي الأخذة أو العقوبة إلا صيحة واحدة، وقوله : واحِدَةً تأكيد لكون الأمر هينا عند اللّه، وقوله : فَإِذا هُمْ خامِدُونَ فيه إشارة إلى سرعة الهلاك.
يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ، ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ " يمكن أن يكون هذا نداء من الحق سبحانه وتعالى للحسرة، لتقع على الكافرين المكذبين برسل اللّه، وأن تشتمل عليهم، ليذوقوا عذاب الندم، إلى جانب العذاب الجهنمى، نعوذ باللّه منهما.. وهذا ما يشير إليه سبحانه فى قوله تعالى :« لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ » (١٥٦ : آل عمران).
ويمكن أن يكون ذلك نداء تعجبيّا من الوجود كلّه، لهذه الحسرة التي تقع على الناس، استفظاعا لها، وإشفاقا منها أن تمتد ظلاله الكئيبة إلى كل موجود.
وقوله تعالى :« ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ » هو على التقدير الأول، تعليل للحسرة التي ساقها اللّه إلى المكذبين والضالين.. وهو على التقدير الثاني، جواب لسؤال ينطق به لسان الحال، وهو : أية جناية جناها الناس حتى يساق إليهم هذا البلاء العظيم ؟
فكان الجواب :« ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ».
وفى وصف الناس بأنهم عباد، إشارة إلى أنهم ـ وهم عباد ـ لم يرعوا حق العبودية للّه، بل كفروا باللّه، وكذبوا رسله، واستهزءوا بهم. والمراد بالعباد، هم الناس جميعا على اختلاف أوطانهم، وأزمانهم.. إنهم هكذا دأبهم وقليل منهم من يؤمن باللّه، ويصدّق رسله.. أما الكثرة منهم، فهم على هذا الوصف!."