وتنكير حَسْرَةً للتكثير. وسبب التحسر عليهم : أنهم لم يعتبروا بأمثالهم من الأمم الخالية. ولا متحسر أصلا في الحقيقة، إذ المقصود بيان أن ذلك وقت طلب الحسرة، حيث ظهرت الندامة عند مواجهة العذاب ومعاينته. وقيل : إنها حسرة الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل.
ثم أنذر اللّه تعالى الأجيال الحاضرة والمستقبلة فقال: « يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ».
" الخطاب هنا للمشركين. وهو تقرير لتلك الحقيقة التي يشهدونها عيانا، وهى أن الهالكين قبلهم من الأمم السابقة، كثيرون، وقد ذهبوا وذهبت آثارهم، وأنهم لن يرجعوا مرة أخرى إلى هذه الدنيا.. فلمَ يشتدُّ حرص هؤلاء المشركين على دنياهم تلك، التي كل ما فيها باطل وقبض الريح ؟ ألا يفكرون فى حياة أخرى وراء هذه الحياة، أبقى، وأعظم ؟. "
أي ألم يتعظوا بمن أهلك اللّه قبلهم من المكذبين للرسل كعاد وثمود، وأنهم لا رجعة لهم إلى الدنيا، خلافا لما يزعم الدّهرية الذين يعتقدون جهلا منهم أنهم يعودون إلى الدنيا كما كانوا فيها، كما حكى اللّه تعالى عنهم بقوله : وَقالُوا : ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا، وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ.. [الجاثية ٤٥/ ٢٤].
ثم أعلمهم أيضا بوجود الحساب والعقاب في الآخرة بعد عذاب الدنيا، فقال تعالى :« وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ »."« إن » هنا نافية بمعنى « ما » و« لما » بمعنى إلّا، أي ما كلّ إلا جميع محضرون لدنيا.. وهذا مثل قوله تعالى :« إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ». والمعنى، أنه إذا كانت القرون الكثيرة التي هلكت لم ترجع إلى الدنيا مرة أخرى. فإن لها رجعة إلى اللّه.. وحضورا بين يديه.. فكل من هلك من الناس راجع إلى اللّه، للمساءلة، والجزاء..
وفى قوله تعالى :« مُحْضَرُونَ » ـ إشارة إلى أن هناك قوة تستدعيهم للحضور بين يدى اللّه، وأن ذلك ليس عن اختيار منهم، ولو كان ذلك كذلك لكان للكافرين


الصفحة التالية
Icon