وثانياً شهرة بلدة أنطاكية في ذلك العهد، لاسيما وقد أسس فيها معبداً أحدُ رسل عيسى عليه السلام.
ثالثاً ما جرى في أنطاكية لما قدم ملك الرومان، وتهدد كل من أبى عبادة الأوثان بالقتل، وكان في مقدمة الآبين رجل مقدم في المؤمنين، فأراده على الشرك فأبى وجهر بالتوحيد، فأرسله من أنطاكية موثقاً وأمر بأن يطعم للوحوش، فألقى في رومية إلى أسدين كبيرين فابتلعاه، ولما قدم لهما استبشر وتهلل لنيل الشهادة في سبيل الله. وكذلك يؤثر عن رجل مؤمن كان يدافع عن المؤمنين في عهد الرومانيين لغيرته وصلاحه، فطلب منه الحاكم أن يرتد فأبى وجهر بوجوب عبادة الإله الواحد، ونبذ عبادة من لا يضر ولا ينفع. فهدده بأن يضربه من الرأس إلى القدم. فأجاب بأنه مستبشر بنعمة الله وكرامته الأبدية. ثم أمر به الحاكم فقتل مع رفقته، والشواهد في هذا الباب لا تحصى، معروفة لمن أعار نظره جانباً مما كتب في تواريخ مبدأ ظهور الأديان، وما كان يلاقيه من أعدائه ومقاوميه، فللقصة الكريمة هذه مصدقات لا تحصى.
رابعاً شهرة المرسلين برسل عيسى عليه السلام، وكانوا انبثوا في البلاد لمحو الوثنية، والكف عن الكبائر والشرور التي كانت عليها دولة الرومان وقتئذ. هذا وما ذكره ابن كثير من وقوف عذاب الاستئصال بعد نزول التوراة يحتاج إلى قاطع. وإلا، فقد خربت كثير من البلاد الأثيمة بعدها، وتدمرت بتسليط الله من شاء عليها، والصيحة أعم من أن تكون صيحة سماوية، أو صيحة أرضية، وهي صيحة من سلط عليهم للانتقام منهم، حتى أباد ملكهم وقهر صولتهم ومحا من الوجود سلطانهم، وإن كان عذاب الصيحة ظاهره الأول. وبالجملة فنحن يكفينا من النبأ الاعتبار به وفهمه مجملاً، وأما تعيينه بوقت ما، وفئة ما، فهو الذي ينشأ منه ما ينشأ، وما بنا من حاجة إلى الزيادة عن الاعتبار، وتخصيص ما لا قاطع عليه. " (١)
وفي التفسير الوسيط :

(١) - محاسن التأويل تفسير القاسمي - (١١ / ١١٦)


الصفحة التالية
Icon