الجولة الثانية: هي جولة المواجهة بين الرجل المؤمن وقومه.
الجولة الثالثة: هي جولة التعقيبات القرآنية الخاصة والعامة.
أما البُعد الآخر البعيد: فهو البعد التربوي العظيم الذي نستشعر من خلاله أن هذه القصة قد أوردت تلك التجربة الدعوية من ملفات تاريخ مسيرة الحركة الدعوية كمثال ثابت، وترجمة تطبيقية لسنَّتين اجتماعيتين عظيمتين من سننه ـ سبحانه ـ الإلهية.
والسنن الإلهية منها السنن الإلهية الكونية في الآفاق، أي في مجال عالم المادة.
ومنها كذلك السنن الإلهية الاجتماعية في الأنفس، أي في عالم البشر والأحياء عموماً.
وهذه السنن هي آياته ـ سبحانه ـ الدالة على صدق الرسالة، من حيث البرهان على إعجاز الله ـ جل وعلا ـ في الخلق، وعلى تفسير التحولات الاجتماعية والتغييرات الكونية والحضارية: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: ٥٣].
وهذه السنن الإلهية لها سمات ثلاث:
أ - الثبات: أي لا تتبدل ولا تتغير: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب: ٦٢].
ب - العموم: أي أنها تشمل كل البشر والخلائق، دون تفريق، ودون استثناء، وبلا محاباة: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣].
ج - الاطِّراد: أي التكرار أينما وجدت الظروف المناسبة مكاناً وزماناً وأشخاصاً وأفكاراً: ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٧].
وهي عبارة عن قوانين وقواعد أشبه ما تكون بالمعادلات الرياضية، قد خلقها الحق ـ سبحانه ـ لتنظم وتحكم حركة الكون والحياة والأحياء، وتحكم حركة التاريخ، وتنظم ناموسية التغيير، وتتحكم بالدورات الحضارية، موضحة عوامل السقوط وعوامل النهوض الحضاري.


الصفحة التالية
Icon