الفصيل الثاني: فريق الذي يتبع الذكر ويخشى الرحمن بالغيب، أصحاب الفطر السليمة لدعوة الحق المستقيمة، فيقبل الرسالة، ويتبع الرسل، كما يمثله الرجل المؤمن.
وكانت رسالة تثبيت وتبشير للجماعة المسلمة من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولكل المؤمنين في كل عصر. و﴿لَهُم﴾ تشمل كل من يحضره المثل، سواء في ذلك أعداء الدعوة من الكافرين ـ وهم مشركو مكة في ذلك الحين ـ أو المؤمنون؛ وذلك لأن المنهج القرآني كان يرسخ قواعد ثابتة لقضية عامة، وسنة إلهية اجتماعية، يلزم أن يفقهها الجميع.
ويرى «المحققون المنصفون من العلماء على أن قصص القرآن واقعي وليس رمزياً، وحقيقي وليس تمثيلياً» (١).
ولأن الفائدة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فإننا نستشعر من هذا التوجيه الإلهي أنه توجيه لكل داعية أن يستخدم الأمثلة التوضيحية لبيان عقيدته، ولتوضيح قضيته.
وهي أيضاً دعوة صريحة لقراءة التاريخ، وفتح ملفات الأفراد والأمم السابقة، بغرض التذكير والموعظة، واستجلاء الدروس.
لذا فإننا نضع أيدينا على مرتكزات ثلاثة تكوّن الثلاثية المعرفية المطلوبة من أجل إعادة صياغة وتشكيل العقلية المسلمة:
أ ـ فهم جيد للرسالة.
ب ـ فقه بصير بالواقع يتم من خلاله تقريب العقيدة والقضية بأمثلة توضيحية، من خلال البيئة المحيطة والمألوفة للسامعين.
ج - قراءة عميقة للتاريخ يتعرف بها على السنن الإلهية الكونية والاجتماعية الثابتة والمطردة أي المتكررة، والعامة التي تنطبق على أي واقع بشري مشابه، وعلى ضوئها يمكن تفسير مغزى المقولة: التاريخ يعيد نفسه، أو ما أشبه الليلة بالبارحة.

(١) - مع قصص السابقين في القرآن، الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي، طبعة دار القلم، دمشق، ٢/ ١٣٠.


الصفحة التالية
Icon