يتتبع الباحث في هذه الدراسة مسألة كتابة القرآن الكريم في العهد المكي ويدرسها دراسة تحليلية نقدية، من خلال الرجوع إلى أمهات كتب التاريخ الإسلامي، والسيرة النبوية، وعلوم القرآن، والتفاسير، وكتب الحديث، والتراجم، واللغة، والكتب المتعلقة بتدوين وحفظ الشعر الجاهلي، محاولاً إزالة اللبس والغموض عن هذا الموضوع المهم، وأن يجمع كل ما يتعلق بموضوع كتابة القرآن الكريم في العهد المكي في مكان واحد، مما هو متناثر في بطون الكتب، محاولاً الإجابة على سؤال مركزي شغل الباحث وهو : هل كتب القرآن الكريم في العهد المكي أم بدىء بكتابته بعد الهجرة النبوية ؟ ويتبع هذا السؤال المركزي أسئلة فرعية وهي : هل تمت كتابة كل ما نزل من القرآن الكريم في العهد المكي، وهو ما يمثل ثلثي القرآن الكريم، أو أنه كتب بعضه ولم يكتب بعضه الآخر؟ وما هي الوسائل والأدوات التي تمت الكتابة عليها في العهد النبوي ؟.
أسئلة تضع مقولة المستشرق الفرنسي بلاشيرBlachere عند حديثه عن مراحل تكوين المصحف :"خلال المرحلة الأولى المشتملة على الأعوام العشرين من الدعوة الإسلامية التي قام بها محمد نفسه، لم تزل المنزلات بكاملها تودع الذاكرة، وتنقلها الألسن إلى الآذان، ولا شك أن مفهوم النصّ المكتوب كان حاضراً في أذهان المهتدين المكيين الذين لم يتجاوز عددهم المئة إبان الهجرة سنة ٦٢٢م. ويبدو أن فكرة تدوين مقاطع الوحي الهامة التي نزلت في السنوات السالفة على مواد خشنة من الجلود واللخاف، لم تنشأ إلا بعد إقامة محمد في المدينة(١٩). أقول تضع تلك الأسئلة مقولة بلاشير هذه تحت محك الدراسة والتحليل، كما تضع ترديدات دائرة المعارف الإسلامية الصادرة في ليدن لمقولة المستشرق بلاشير عند تناولها لمادة القرآن(٢٠). وكذا ما ردده بعض الكتاب المسلمين من أقوال تدور في هذا الفلك، مثل محمود عباس حمودة حيث يقول :>ويمكن القول إن التدوين الفعلي للقرآن قد بدأ في المدينة بعد الهجرة ـ وحتى بالنسبة للمدينة نجد أن الروايات تختلف ـ فمنها من(٢١) ينكر أن القرآن دوِّن في عهد النبي، ومنها من(٢٢) يقول إن القرآن كان في صحائف وراء فراش النبي...”(٢٣).
منهجية البحث