نعود إلى الآراء في نشأة الخط العربي والكتابة به. فنظراً للتحولات الكبيرة والتطورات السريعة المتلاحقة التي شملت ميادين كثيرة من حياة العرب بعد مجيء الإسلام في شبه الجزيرة العربية، نجد أنه من الصعب تحديد ومعرفة أول من وضع الخط العربي. أو متى وكيف نشأ الخط العربي ؟ ومدى انتشار الكتابة في الجزيرة العربية قبل الإسلام ؟ وعليه يحاول الباحث خلال الصفحات القادمة القليلة تحديد أو بيان الرأي الأقرب للصواب في ذلك، دون إسهاب وتفصيل حتى لا يخرج الباحث عن حدود البحث المرسومة له، حيث يعتبر هذا الفصل بمثابة تمهيد للدخول في موضوع البحث - وهو كتابة القرآن الكريم في العهد المكي -. فقد اختلف الباحثون في ذلك اختلافاً كبيراً، فهناك أكثر من عشرين رأياً في المسألة(١)، إلا أن الدراسة سوف تقتصر على أهمها، وبإيجاز وكما يقول الدكتور خليل يحيى نامي وهو يتلخص في رأيين اثنين هما(٢) :
الرأي الأول : يرى معظم اللغويين والإخباريين العرب مثل : ابن فارس، وابن النديم والصولي، وابن عبد ربه، والقلقشندي وغيرهم أن الخط توقيف(٣). أي أنه ليس من وضع البشر، بل إن اللّه سبحانه وتعالى قد علمه لآدم فكتب الكتب كلها، فلما أصاب الأرض الغرق وجد كل قوم الكتابة التي يكتب بها، وكان من نصيب إسماعيل الكتاب العربي.
ويستدل أصحاب هذا الرأي بروايات وأخبار بعيدة عن الحقيقة وبطلانها ظاهر للعيان، فمنها : ما يروى عن كعب الأحبار (تـ ٣٢هـ) أنه قال :>أول من وضع الخط العربي والسرياني وسائر الكتب آدم عليه السلام، قبل موته بثلاثمائة سنة، كتبه في الطين ثم طبخه، فلما انقض ما كان أصاب الأرض من الغرق، وجد كل قوم كتابهم به، فكان إسماعيل عليه السلام وجد كتاب العرب”(٤).


الصفحة التالية
Icon