وينقل ابن النديم ما يلي :>وقال ابن عباس(٨) أول من كتب بالعربية ثلاثة رجال من بولان، وهي قبيلة سكنوا الأنبار، وأنهم اجتمعوا فوضعوا حروفاً مقطعةً وموصولةً. وهم : مرامرة بن مروة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جذرة، ويقال : مرة وجذلة. فأما مرامر فوضع، وأما أسلم، ففصل ووصل، وأما عامر، فوضع الإعجام : وسئل أهل الحيرة ممن أخذتم العربي، فقالوا من أهل الأنبار”(٩). ويقول الفيروز آبادي :>لذلك تسمى العرب خطها بالجزم، لأنه جُزِمَ واقْتُطِعَ من المسند الحميري”(١٠). ويقول ابن خلدون :>وقد كان الخط العربي بالغاً من الإحكام والإتقان والجودة في دولة التبابعة لما بلغت من الحضارة والترف، وهو المسمى بالخط الحميري، وانتقل منها إلى الحيرة لما كان بها من دولة آل المنذر نسباء التبابعة في العصبية والمجددين لملك العرب بأرض العراق، ومن الحيرة لقنه أهل الطائف وقريش فيما ذكر، ويقال إن الذي تعلم الكتابة من الحيرة هو سفيان بن أمية ويقال حرب بن أمية، وأخذها من أسلم بن سدرة، وهو قول ممكن”(١١).
وملخص هذا الرأي أن الكتابة العربية اشتقت من الخط المسند الحميري الذي يعرف أيضاً بالخط العربي الجنوبي، وأن هذا الخط وصل إلى موطن المناذرة وبلاد الشام عن طريق القوافل التجارية التي كانت تتنقل بين الجزيرة العربية وشمالها، ثم انتقل عن طريق الحجاز إلى بقية الجزيرة العربية(١٢).
وهذا الرأي ضعيف كسابقه ومن عدة وجوه أهمها :
١. إننا نلحظ أثر الصنعة والاختراع في الأسماء. فهي موزونة ومقفاة ـ مرة ـ سدرة ـ جذرة ـ، وهذا يدل على أنها قد وضعت وضعاً، وليست من نتيجة المصادفة والاتفاق.
٢. هذه الرواية تقول : بأن ابن جدرة هو الذي وضع الإعجام، أي أن الخط العربي في نشأته كان يكتب بالتنقيط. وهذا يخالف الواقع، لأن الخط العربي في نشأته كان يكتب من غير تنقيط كما يظهر من النقوش العربية القديمة مثل نقش زبد و حران.
٣. أن الخط العربي لم يقتطع من المسند الحميري كما تقول الرواية، وليس هناك أي علاقة بينهما سوى أنهما قد اشتقا من أصل سامي واحد(١٣).
أما تسمية العرب خطها بالجزم، لأنه جزم واقتطع من المسند الحميري، فليس بصحيح. والمصادر تقرر أن خط الجزم خط إسلامي نشأ بعد تأسيس الكوفة في عهد عمر بن الخطاب، فهو ليس خطاً جاهليّاً(١٤).


الصفحة التالية
Icon