وبتتبع المراحل المختلفة ومن خلال النقوش التي اكتشفت حتى الآن لتطور الكتابة العربية الشمالية التي تنتمي إليها الكتابة العربية اليوم أضعف هذا الرأي(١٥).
إضافةً إلى أن أهل اليمن كانوا يكتبون بالمسند، والمسند بعيد عن هذا القلم الذي يسميه أهل الأخبار : القلم العربي أو الكتاب العربي بعداً كبيراً. وقد بقوا يكتبون بقلمهم هذا زمناً في صدر الإسلام(١٦).
يضاف إلى كل ما سبق أننا لا نستطيع أن نقول إن هؤلاء هم أول الذين كتبوا، أو أول الذين وضعوا الكتابة العربية فعلاً وذلك : لأنه أمر ينفيه ما تم اكتشافه من نقوش عربية تعود إلى وقت سابق على الوقت الذي يُقَدَّر أنهم عاشوا فيه، وهو نهاية القرن الخامس أو بداية القرن السادس الميلادي في أماكن بعيدة عن الأنبار والعراق، كذلك فإن وضع الخطوط واختراعها عمل ليس من اليسير نسبته إلى أفراد بأعيانهم(١٧).
ولعل في الانتشار الواسع لاستخدام المسند - في الجزيرة العربية وغيرها - وما تخلف عنه في أذهان الناس، ما يفسر لنا ما ذهبت إليه المصادر العربية من الاعتقاد بأن الخط العربي متطور عنه، لكن المقارنة بين كلا الخطين وما يمتاز به كل واحد منهما تنفي ذلك الاعتقاد(١٨).
ولكن مع ما ذكرنا لا يستبعد أن يكون لهؤلاء الأشخاص المذكورين يدٌ ما في تطوير الخط والكتابة العربية، بأن ساهموا بطريقة ما في تطوير تلك الكتابة، فقاموا مثلاً بتعديل الحروف المتداولة آنذاك، ذات الأصل النبطي حتى تبدو في شكلها الحالي.
ثانياً : أن العرب قد أخذت خطها من ملوك مدين الذين كانوا من العرب العاربة.
يقول ابن النديم :>اختلف الناس في أول من وضع الخط العربي. فقال هشام الكلبي : أول من وضع ذلك، قوم من العرب العاربة نزلوا في عدنان بن إد، وأسماؤهم : أبو جاد، هوز، حطي، كلمون، سعفص، قريسّات، هذا من خط ابن الكوفي بهذا الشكل والإعراب وضعوا الكتاب على أسمائهم. ثم وجدوا بعد ذلك حروفاً ليست من أسمائهم وهي : الثاء والخاء والذال والظاء والشين والغين، فسموها الروادف. قال : وهؤلاء ملوك مدين، وكان مهلكهم يوم الظلة في زمن شعيب عليه السلام. قرأت بخط ابن أبي سعد على هذه الصورة وبهذا الإعراب : أبجاد، هوز، حاطي، كلمون، صاع، فض، قرست. قالوا هم الجبلة الآخرة. وكانوا نزولاً في عدنان بن إدد. وأشباهه، فلما استعربوا وضعوا الكتاب العربي. واللّه أعلم”(١٩).