وهذا الرأي غير مستقيم كذلك، ولا يقبله المنطق السليم :>وليس أدل على الخرافة في هذا الرأي من أن صاحبها قد أخذ الترتيب الأبجدي للحروف وجعله أسماءً لملوك من العرب العاربة. زاعماً بأنهم كانوا في مدين، وأنهم هم الذين وضعوا الخط العربي. كما أنها تدل أيضاً على أن الخط العربي كان يكتب في نشأته بالتنقيط، وهذا يخالف الواقع”(٢٠).
يقول الدكتور أنيس فريحة :>... إن هذه الأسماء ليس لها مسميات، هي ترتيب حروف الهجاء الآرامية القديمة بشكل يسهل على الصغار حفظها. فالحروف الآرامية ـ وعددها اثنان وعشرون ـ قد جمعت بحسب ترتيبها في كلمات ـ أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرست ـ. وذلك بغية حفظها على هذا الترتيب، لأنها كانت تستخدم أيضاً للأرقام قبل اقتباس الأرقام الهندية ـ المعروفة بالعربية الآن ـ”(٢١).
ومما يدل على أن هذه الأسماء لا علاقة لها بنشأة الخط العربي، وأنها جاءت من قصص شعبية كانت منتشرةً بين الناس وبصيغ مختلفة، ما ينقله الإمام الطبري في تاريخه عند حديثه عن الأيام الستة التي خلق اللّه فيها السماوات والأرض، حيث يقول :>وقيل : إن اسم أحد تلك الأيام الستة : أبجد، واسم الآخر : هوّز، واسم الثالث منهن حطي، واسم الرابع منهن : كلمنْ، واسم الخامس منهن : سعفص، واسم السادس منهن : قرست”(٢٢).
وهذا الرأي وإن بات غير مقبول عند الباحثين المعاصرين، إلا أنه يدل على أن العرب قد أخذت خطها من الأنحاء الشمالية واقتطعه من كتابة شعب كان يسكن في مدين وما يجاورها من الأنحاء الشمالية للبلاد العربية.
وهذه الكتابة عرفت فيما بعد ولا سيما في القرن التاسع عشر الميلادي، بأنها الكتابة النبطية، وذلك بجهود المستشرقين الذين قاموا برحلات علمية إلى تلك الأرجاء، فعثروا على نقوش وكتابات تحمل اسم جماعة تعرف بالنبط كانت تسكن في مدين وما يجاورها من الأنحاء الشمالية للبلاد العربية. وأول من عثر من المستشرقين على نقوش نبطية، المستشرق John Lewis رضي الله عنurkhardt وذلك في سنة١٨٨٢ م(٢٣).


الصفحة التالية
Icon