ويضاف إلى ما سبق أنه :>ليس هناك ما ينفي أن تكون الكتابة العربية قد دخلت الحجاز من الأنحاء الشمالية مباشرةً، خاصةً أن العديد من الكتابات النبطية جاءت من الإقليم الشمالي لبلاد الحجاز، من الحجر ـ مدائن صالح ـ والعلا وتيماء، هذا إضافةً إلى الاتصال التجاري المستمر بين أهل الحجاز وبلاد الشام. فارتباط الحجاز بالطرف الجنوبي من بلاد الأنباط، وكون الكثير من النقوش النبطية من ذلك الإقليم، والاتصال المستمر كلها عوامل مشجعة لتطور كتابة عربية في ذلك الإقليم”(٢٤).
وعليه نصل إلى الرأي الثالث، وهو الرأي الغالب على دراسات الباحثين المعاصرين وهو : أن الكتابة العربية المستعملة اليوم قد اشتقت من الكتابة النبطية(٢٥)، بل وأثبتوا أن الأولى اسمترار متطور للثانية التي انحدرت من الكتابة الآرامية المتطورة عن الكتابة الفينيقية، اعتماداً على أهم النقوش والمكتشفات الأثرية وهي : نقش أم الجمال (٢٥٠م)، ونقش النمارة (٣٢٨م) وهما نبطيان لغةً وخطّاً، على أن العرب فضلوا استخدام الحروف النبطية في كتابتهم، وأن العربية فرضت نفسها لغةً للكتابة، ثم نقش أسيس (٥٢٨م)، ونقش حران (٥٦٨م) اللذان لا تختلف كتابتهما كثيراً عن الكتابة العربية بصورها التي كانت عليها عند ظهور الإسلام(٢٦).
وقد حملت هذه النقوش مجموعة العناصر التي تألفت منها الكتابة سواء في رسمها أو إملائها أو اتصال حروفها وانفصالها. وقد رجح الباحثون أن الكتابة نشأت ونمت بين عهد نقش النمارة ونقش زبد، واعتبروا أن نقش حران يمثل آخر مراحل الانتقال من الكتابة النبطية إلى الكتابة العربية(٢٧).
وقد قام الدكتور خليل يحيى نامي بدراسة تحليلية لحروف الكتابة النبطية، عبر الكثير من النقوش التي ترجع إلى قرون مختلفة، متتبعاً صور الحروف وتطورها، منذ أقدم الكتابات النبطية حتى أخذت شكلها الأخير في الكتابات العربية الجاهلية، بما لا يدع مجالاً للشك في انحدار الكتابة العربية من النبطية التي تطورت عن الكتابة الآرامية قبل عدة قرون من ذلك(٢٨).