ويقول الدكتور جواد علي : ومع صعوبة الحكم على أصل الأبجديات حكماً قاطعاً، لأن أحداً لا يستطيع أن يدعي أن العلماء قد عثروا على كل ما دون من كتابات قديمة(٢٩). فإن دراسة ترتيب الحروف العربية وأسمائها، وأشكال الحروف وصورها وتطورها، يتيح لنا أن نرى بوضوح معالم تطور الكتابة العربية وانحدارها من الكتابة النبطية التي ترتبط بالكتابات السامية الأخرى بأقوى الصلات(٣٠). والخط العربي أخذ شكله المتميز منذ القرن الرابع الميلادي، لكن النقوش الخطية الباقية من آثار القرون السابقة لظهور الإسلام قليلة في عددها، ومحدودة في مادتها(٣١).
وكل ما ذكر عن القلم النبطي لا ينفي احتمال استخدام العرب للقلم الحميري أو المسند، وإنما يرى الباحث أن الخط العربي أو الكتابة العربية المستخدمة اليوم إنما اشتقت وتطورت من الكتابة النبطية وليس من القلم الحميري، وفي هذا الصدد يقول الدكتور جواد علي :>وتبين من دراسة النصوص الجاهلية، أن العرب كانوا يدونون قبل الإسلام بقلم ظهر في اليمن بصورة خاصة، هو القلم الذي أطلق عليه أهل الأخبار "القلم المسند" أو "قلم حمير". وهو قلم يباين القلم الذي نكتب به الآن. ثم تبين أنهم صاروا يكتبون في الميلاد بقلم آخر، أسهل وألين في الكتابة من القلم المسند أخذوه من القلم النبطي المتأخر وذلك قبيل الإسلام على ما يظهر. وكما تبين أن النبط وعرب العراق وعرب بلاد الشام كانوا يكتبون أمورهم بالآرامية وبالنبطية، وذلك لشيوع هذين القلمين بين الناس”(٣٢).
المبحث الثاني : انتقال الكتابة إلى الحجاز
لا يزال مكان وزمان تطور الكتابة العربية موضع خلاف بين الباحثين لسببين وهما(٣٣) :
١. قلة النقوش العربية من عهد الجاهلية.
٢. غموض تاريخ الخط العربي عند مؤرخي العرب القدماء، وتضارب الروايات عندهم.
والمصادر العربية بصورة عامة تربط انتقال الكتابة إلى الحجاز ولا سيما إلى مكة بأسماء أشخاص معينين وأشهرهم في ذلك : بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن الكندي ثم السكوني صاحب دومة الجندل(٣٤)، وكلها تذكر أنه تعلم الكتابة في الحيرة، وقد تعلم منه سفيان بن أمية بن عبد شمس، وأبو قيس بن عبد المناف بن زهرة بن كلاب. أو حرب بن أمية، وأنه تعلم من عبد اللّه بن جذعان، وقد تعلم هو بدوره من أهل الأنبار(٣٥).