ومعلوم أن هذا الكلام لم يكن مبنيّاً على الجرد والاستقراء. وقد درج على هذا المنهج أغلب الذين تحدثوا عن مكانة الكتابة عند العرب، وربما نتج ذلك عن إشارات وردت في نصوص قرآنية وحديثية، مثل لفظة :(الأميين، والأمي) في القرآن الكريم، ولفظة (أُمِّيَّة) في الحديث النبوي الذي سيأتي. ومعلوم أن القرآن الكريم قد وصف العرب بهذا الوصف في ثلاثة مواضع. وهي قوله تعالى :﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ﴾(٢). وقوله تعالى :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ﴾(١)، وقوله تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وِإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ﴾(٢).
ولكن كما هو واضح من سياق الآيات السابقة، فإن هذا الوصف لا يعني الجهل بالكتابة والقراءة، حيث إن الآيات الثلاث نزلت في المدينة ذات المناخ المعروف المكون من اليهود وهم أهل كتاب، ومن عرب لم يكن لهم كتب دينية منزلة، وعليه فإن الأمية هنا الأمية الدينية، أي الأمة التي تملك كتاباً سماويّاً كاليهود والنصارى لا الأمية بمعنى الجهل بالكتابة والقراءة، وقد أشار إلى هذا المعنى بعض المفسرين القدامى، منهم الإمام ابن جرير الطبري فقد أشار إلى ذلك في تفسيره للآية :﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ؟ فَإنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا ﴾(٣). حيث يقول :>يعني جل ثناؤه، وقل يا محمد للذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى والأميين : الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب أأسلمتم...<(٤).
يقول الدكتور جواد علي تعليقاً على ما ذكره الإمام الطبري :>فالمسلمون أهل كتاب، والمجوس أميون كمشركي مكة وبقية العرب المشركين، لا لكونهم لا يقرؤون ولا يكتبون، بل لأنهم لم يؤمنوا بالتوراة والإنجيل<(٥).