وللعلماء كلام طويل في سبب إطلاق الأمي على الرسول ﷺ، هل من أنه نسبة إلى العرب الذين ليس لهم كتاب سماوي، أو نسبةً إلى أمه باعتبار حاله حال الذي يولد من أمه لا علم له بالكتابة والقراءة، أو نسبة إلى العرب الذين لم يكن لهم حظ من العلم والمعرفة حسب رأي البعض، إلى غير ذلك من الآراء والأقوال التي لا تدخل ضمن نطاق هذا البحث. ومع كل ذلك فإن وصف الرسول ﷺ بالأمي وصف ينطبق عليه واقعاً. فقد كان ﷺ أميّاً لا يعرف القراءة والكتابة، أما سياق الآيات السابقة فلا يفهم بحال من الأحوال أن المقصود بهم العرب الذين لا يعرفون الكتابة والقراءة بخلاف ما ذهب إليه الأستاذ أحمد محمد شاكر رحمه اللّه في تعقيبه على مقال الأمي في دائرة المعارف الإسلامية بقوله :>سياق هذه الآيات كلها يدل على أن المراد بالأمي هو مَنْ لا يعرف القراءة والكتابة، كما هو المعنى المعروف في لغة العرب<(٣).
وعليه يتبين وبوضوح أنه بمراجعة سياق الآيات التي أطلق فيها لفظ الأميين على العرب، أنها لا تفيد هنا معنى الجهل بالقراءة والكتابة، وإنما تعني الأمية الدينية، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أمر مهم، وهو ما ذكره الأستاذ عبد الصبور شاهين بقوله :>فإذا نحن قررنا أن حديث القرآن عن (النبي الأمي) وعن (الأميين) لا يعني في التفسير الراجح سوى (الوثنيين غير أهل الكتاب)، فلن يمنع ذلك من أن نقرر أن الأمية، بمعنى الجهل بالقراءة والكتابة، كانت سمة المجتمع العربي الغالبة في تلك الفترة الحضارية<(١).
وأما الحديث :>إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب<، وتكملته >الشهر هكذا، وهكذا<، يعني مرةً تسعة وعشرين، ومرةً ثلاثين<(٢). فإن النبي ﷺ قال ذلك في حديث الصيام عن رؤية الهلال، وعليه فهذا الحديث لا يعني إلا ضرباً خاصّاً من الكتابة والحساب، وهو حساب النجوم، وتقييد ذلك بالكتابة لمعرفة مطلع الشهر، فقد أخبر أن هذا الضرب من العلم المدون المسجل القائم على الحساب والتقويم لم يكن للعرب عهد به، ومن هنا علق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير.