وحمل الحديث على معنى الجهل بالكتابة والقراءة، لا يحتمله ظاهر الحديث، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه يخالف ما كان عليه واقع العرب من معرفة عدد كبير منهم الكتابة والقراءة. وواقع المسلمين كذلك في مكة، فإنه من المعروف أن عدداً لا بأس به من الصحابة ـ رضي اللّه عنهم ـ والذين أسلموا قديماً في مكة كانوا من الكتبة، وأغلبهم قد اشتهروا فيما بعد بكُتَّاب النبي ﷺ. وكذلك فإن واقع المسلمين في المدينة كان على نقيض ذلك بالتمام، ولا سيما بعد هجرة النبي ﷺ وغزوة بدر، حيث كثرت الكتابة في الناس أكثر مما كانت عليه من قبل، فكيف يصح بعد كل هذا أن يقول أحد إن الحديث يفيد معنى الجهل بالكتابة والقراءة بصورة عامة. وأن المسلمين لم يكونوا يعتمدون على الكتابة والتسجيل إلا نادراً ! أو أنهم كانوا أميين لا يكتب منهم إلا الواحد أو الاثنان !. وعليه فإن الاستشهاد بهذا الحديث على جهل العرب والمسلمين بالكتابة والقراءة، بل وبالحساب بصورة عامة استشهاد غير سليم وفي غير محله، ويدل على الجهل بواقع العرب والمسلمين في صدر الإسلام.
يضاف إلى كل ما سبق أن حمل الحديث على العموم يعارض مضمون القرآن الكريم الذي حثَّ وفي أول آية، بل في أول كلمة نزلت منه على الكتابة والعلم. يقول الدكتور عبد الصبور شاهين بعد أن يذكر حديث القرآن الكريم عن الخط ومتعلقاته :>وكل ذلك موجه إلى أولئك العرب الذين لصقت بهم صفة الأمية خلال التاريخ، فلا ريب أنها لم تكن أمية جهل بالقراءة والكتابة، وإنما هي وثنية كانوا يدينون بها، لا علاقة لها بعلم أم جهل<(١). وكيف يفهم أمر القرآن الكريم بضرورة كتابة الديون في المعاملات التجارية اليومية إذا ما حمل الأمية في الحديث على الأمية العامة بالكتابة والحساب ؟!.