وكذلك يخالف أحاديث أخرى ثبتت عن النبي ﷺ تأمر بالكتابة، ومنها :>قيدوا العلم بالكتابة<(٢). وتبين من حال الصحابة ولا سيما في المدينة أنهم كانوا يكتبون كل شيء يصدر عن الرسول ﷺ إضافةً إلى كتابتهم للقرآن الكريم، وخير دليل على ذلك الحديث الذي علق عليه الإمام ابن قتيبة نفسه بما سبق، وكذا في سنن الدارمي وغيره :>عن عبد اللّه بن عمرو، قال : كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول اللّه ﷺ أريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا : تكتب كلّ شيء سمعته من رسول اللّه ﷺ. بشر يتكلم في الغضب والرضاء، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول اللّه ﷺ، فأومأ بأصبعه إلي فيه، وقال : اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق<(٣). وغير ذلك من الآثار التي ثبتت وتدل على وجود الكتابة في تلك المرحلة.
وبعد أن توضح معنى لفظة الأمية والأميين، يود الباحث أن يأتي بعينات ونماذج من العصر الجاهلي وصدر الإسلام، من الذين كانوا يكتبون ويقرؤون والتي تدل دلالةً واضحةً وضوح الشمس في كبد السماء، على أن ما ذهبت إليه أغلب المصادر العربية القديمة، وتبعها بعض الدراسات المعاصرة، من أن الأمية بمعنى عدم معرفة القراءة والكتابة كانت مطبقةً على العرب ليس بصحيح، وأن الكتابة كانت موجودةً ومنتشرةً إلى حد لا بأس به ولا سيما في مكة، المركز الديني المرموق والتجاري المزدهر في قلب الجزيرة العربية.
والأمر الذي لا شك فيه أن الكتابة :>كانت معروفة في مجتمع المدن، وبخاصة التجارية، ففي مثل هذه المدن تكون الكتابة أمراً حيويّاً لا بد منه لقيام حياة اقتصادية منظمة بها... وإذا اتخذنا مكة مثلاً لهذه المدن التجارية، فإننا نستطيع أن نقرر صحة هذا التوجه، فقد كانت الكتابة عنصراً أساسيّاً من عناصر الحياة في مكة، وحقيقة ثابتة من حقائق تاريخها القديم لا يوجد اليوم بين الباحثين من يجادل فيها<(١).