ولا يذهب الباحث بقوله هذا إلى أن العرب كلهم كانوا يجيدون الكتابة، وأنها كانت شغلهم الشاغل، وإنما ما يريد إثباته كتمهيد لإثبات كتابة القرآن الكريم في العهد المكي، وأن الكتابة كانت منتشرةً إلى حد لا بأس به بين العرب، ولا سيما في مكة والمدينة، بحيث لا يظن ظان أن حالة الكتابة كانت متدنيةً إلى درجة لم يكن معها بإمكان المسلمين كتابة القرآن الكريم الذي نزل في مكة، وكان بعضهم قد أجادوا الكتابة حتى لقبوا بالكملة(٢)، وتعدى بعض آخر ذلك إلى تعلم الكتابة بلغات أخرى كالفارسية، والعبرية والسريانية. وذلك لأنه لم يكن هناك شعب من الشعوب في تلك الفترة متعلم تعلماً كلياً سواء الروم أو الفرس أو غيرهم، بل وفي عصرنا هذا لا يوجد شعب متعلم مائة في المائة ولا سيما العرب فكيف بتلك العصور ؟ والمسألة نسبية لكل عصر.
وأحسن من أشار إلى هذا ابن فارس حيث يقول :>إنا لم نزعم أن العرب كلها مدراً ووبراً قد عرفوا الكتابة كلها، والحروف أجمعها، وما العرب في قديم الزمان إلا كنحن اليوم، فما كل يعرف الكتابة والخط والقراءة<(٣).
المبحث الثاني : حالة الكتابة في مكة والمدينة
المطلب الأول : حالة الكتابة في مكة وما حولها
قد تم التطرق فيما مضى إلى أن الخط العربي والكتابة به قد عُرفا قبل مجيء الإسلام. وعليه سيأتي الباحث لذكر عدد ممن ذكرتهم المصادر القديمة ممن اشتهروا بمعرفتهم الكتابة والقراءة في الجاهلية وصدر الإسلام، كنماذج، وليس القصد هنا الحصر والإحاطة بجميع الأسماء التي ورد ذكرها في الكتاب. وذلك لأنه يحتاج إلى قراءة متأنية لكل كتب التراث، وهذا لا شك يحتاج إلى وقت طويل لا يتناسب مع هذا البحث.
فمن الذين كانوا يعرفون الكتابة في مكة في الجاهلية قصي حيث ورد أنه :>كتب إلى أخيه من أمه رزاح بن ربيعة بن حرام ـ وهو ببلاد قومه ـ يدعوه إلى نصرته، والقيام معه، فقام رزاح بن ربيعة في قضاعة، فدعاهم إلى نصر أخيه والخروج معه إليه، فأجابوه إلى مادعاهم من ذلك<(١).
وممن كان يكتب عبد المطلب بن هشام. ففي الفهرست :>وكان في خزانة المأمون كتاب بخط عبد المطلب بن هشام، في جلد أدم فيه ذكر حق عبد المطلب بن هشام من أهل مكة، على فلان بن فلان الحميري، من أهل وزل صنعاء، عليه ألف درهم فضة كيلاً بالحديدة، ومتى دعاه بها أجابه، شهد اللّه والملكان<(٢).
وفي تاريخ الطبري :>إن عبد المطلب كتب إلى أخواله كتاباً يصف فيه ما جرى بينه وبين نوفل وكتب فيه :