ومعلوم أن هذه الأسماء التي ذكرتها المصادر التاريخية لم تذكرها ضمن الحديث عن حالة الكتابة في مكة وما حولها. وإنما جاءت في معرض الكلام عن مواضيع متفرقة لا تمت بصلة إلى ذلك إلا نادراً. وعليه فإنه لو تم إجراء دراسات واسعة ومن قبل متخصصين، فإنه لا شك سيتم الحصول على أسماء أخرى. والأسماء التي ذكرت في هذه الدراسة لا يقصد بها الحصر، وقد أهملت الدراسة أسماء أخرى لئلا يطول الكلام في ذلك، فقد كان القصد من ذلك مجرد التمثيل، وبيان خطأ من ذهب أو ادعى أن العرب أو الصحابة لم يكن منهم من يعرف الكتابة إلا الواحد أو الاثنان.
يقول محمد عجاج الخطيب في كتابه "السنة قبل التدوين" :>وبعد هذا نستبعد أن يكون قول المؤرخين :>دخل الإسلام وفي مكة بضعة عشر رجلاً يكتب<، صورة دقيقة لحقيقة معرفة العرب بالكتابة قبيل الإسلام. ونستبعد أن يكون هذا على وجه الإحصاء والضبط...<(١).
ويقول الدكتور صبحي الصالح :>وإنا لنستبعد ألا يكون في ذلك الحين بمكة كما جاء في بعض الأخبار ـ إلا بضعة عشر رجلاً يقرؤون ويكتبون ـ لأن هذه الأخبار إذا صحت أسانيدها لا تبلغ أن تكون إحصاءً دقيقاً أو استقراءً شاملاً، فما فيها إلا دلالة ظنية غامضة لا يحسن مع مثلها القطع في هذا الموضوع الخطير"(١).
يود الباحث أن يختم هذا المبحث بما قاله الدكتور امتياز أحمد بعد أن سرد في ذكر المعلمين والمتعلمين والأدلة التي لا غبار عليها حول انتشار الكتابة في مكة وما حولها حيث يقول :>ففي ضوء هذه المعلومات يبدو لنا بما لا يدع مجالاً للشك أنه كان يوجد حوالي سبعون متعلماً في مكة عند ظهور الإسلام، وفي الواقع أن هذا ضئيل لا يتناسب مع الإنجاز الأدبي للناس قبيل الإسلام، ولم يكن المناخ الأدبي ضئيلاً إلى هذا الحد الذي صوره أوائل المؤرخين والاكتشافات المستمرة لأوراق البردي والنقوش<(٢).
المطلب الثاني : حالة الكتابة في المدينة
يود الباحث هنا أن يذكر عدداً من الذين اشتهروا بمعرفة الكتابة والقراءة في المدينة، وذلك لكي تكتمل الصورة في أذهاننا عن وضع الكتابة في المنطقة العربية ذات الصلة القوية بالإسلام، حيث نبت فيها ونما الدين الجديد، وتم حفظه بدماء الصحابة الكرام وأقلامهم التي دونت للإسلام معجزته الخالدة، النص القرآني الكريم.


الصفحة التالية
Icon