وكان عدد من النسوة يكتبن، ولكن لا يعرف هل تعلمن الكتابة بعد الهجرة أم قبلها، ما عدا الشفاء بنت العدوية، فقد كانت كاتبةً في الجاهلية، وهي التي علمت حفصة زوج الرسول ﷺ الكتابة. أما أم كلثوم بنت عقبة، وكريمة بنت المقداد، فلا يعرف وقت تعليمها الكتابة(١١).
ومعلوم أن الكتابة انتشرت وكثر الذين يكتبون ويقرؤون بعد هجرة الرسول ﷺ إلى المدينة، ولا سيما بعد غزوة بدر، ولكن بالتأكيد لم يكن الأمر كما وصفه الإمام السهيلي عند حديثه عن مسألة أسرى غزوة بدر حيث قال :>ولم يكن من الأنصار يومئذ أحد يحسن الكتابة فكان منهم ـ الأسرى ـ من لا مال له فيقبل منه أن يعلم عشرة من الغلمان ويخلى سبيله<(١). حيث تبين مما سبق أنه كان من الأنصار مَنْ أتقن الكتابة قبل ذلك بكثير، والأمثلة التي ذكرت تبين ذلك بوضوح فلا يلتفت إلى ما قاله الإمام السهيلي رحمه اللّه لأنه يخالف ما ثبت وعرف من واقع المدينة ومن معرفة وإتقان عدد من رجالها للكتابة في الجاهلية وإن كانوا قلةً فكيف في هذه الفترة المتأخرة !
وأخيراً يقول الدكتور يوسف خليف :>القضية التي يبدو أنها أصبحت لا تقبل جدلاً حولها، ولا شكّاً فيها، هي أن العرب في العصر الجاهلي كانوا يعرفون الكتابة. وهي قضية ثابتة بشهادة الواقع التاريخي من ناحية. وشهادة النصوص الأدبية من ناحية أخرى، فلم تكن الجزيرة العربية في هذا العصر متخلفةً حضاريّاً بالصورة التي كان الباحثون القدماء يتصورونها، ولم تكن بمعزل عن الحضارات الأجنبية التي كانت تحيط بها من كل جانب، وإنما كانت على صلة بها عن طريق الجوار والاحتكاك المباشر. وأيضاً عن طريق تسرب عناصر منها مع القوافل التجارية النشطة التي كانت تجوب أرجاءها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، ثم عن طريق محاولات التغلغل السياسي والديني والتي كانت تأتي من ناحية الفرس في الشرق، والروم في الشمال، والأحباش في الجنوب<(٢).
المبحث الثالث : مجالات استخدام الكتابة عند العرب
لا يخفى على أي دارس لتاريخ مكة باعتبارها مركزاً دينيّاً وتجاريّاً مزدهراً، أن الكتابة كانت لازمةً وضروريةً ولا سيما لأمور التجارة، التي كانت تعتبر قوام الحياة في مكة وفي بلاد الشام. فكان أهل مكة والعرب بصورة عامة يستخدمون الكتابة لأغراض عدة منها :
١. كتابة الأحلاف والمواثيق :