كان من عادة العرب في الجاهلية كتابة الأحلاف والمواثيق والعهود وتعليقها في الكعبة. يقول الجاحظ :>لولا الخطوط لبطلت العهود والشروط والصكاك، وكل أمان، وكل عهد وعقد، وكل جوار وحلف، ولتعظيم ذلك، والثقة به والاستناد إليه، كانوا يدعون من يكتب لهم ذكر الحلف والهدنة، تعظيماً للأمر، وتبعيداً من النسيان، ولذلك قال الحارث بن حلزة، في شأن بكر وتغلب :
واذكروا حلف ذي المجاز وما قـ ـــــــــدَّم فيه العهود والكفلاء
حذر الجور والتعدي، وهل ينـ قص ما في المهارق الأهواء
والمهارق(١)، ليس يراد بها الصحف والكتب، ولا يقال للكتب مهارق حتى تكون كتب دين، أو كتب عهود، وميثاق، وأمان<(٢).
ومن الأحلاف التي كتبت وعلقت في الكعبة :>حلف خزاعة بين عبد المطلب بن هشام جد النبي ﷺ ورجال من خزاعة، وكتب لهم الحلف، أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة، وعلقوا الكتاب في الكعبة<(١). وقد جاء خزاعة رسولَ اللّه ﷺ يوم الحديبية، بكتاب جده فقرأه عليه أبيُّ بن كعب. وهو :>باسمك اللّهم، هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة، إذ قدم عليه سرواتهم وأهل الرأي منهم، غائبهم يقر بما قضى عليه شاهدهم. إن بيننا وبينكم عهود اللّه وعقوده وما لا ينسى أبداً. اليد واحدة والنصر واحد، ما أشرق ثبير، وثبت حراء، وما بلَّ بحر صوفة. ولا يزاد فيما بيننا وبينكم إلا تجدداً أبداً الدهر سرمداً<(٢).
وقد أشار إليها وافد بني كعب على رسول اللّه ﷺ حيث قدم ليخبره بما صنعت قريش وبمعونتها لبني بكر، ودعاه للنصرة، وأنشد أبياتاً بدأها بقوله :
لا هُمَّ إني ناشدٌ محمداً حِلْفَ أبينا وأبيه الأتلدا..(٣)
وهذه العادة بقيت عند العرب حتى بعد مجيء الإسلام، وخير دليل على ذلك صحيفة قريش. حيث كتبت صحيفة قريش المشهورة في مقاطعة بني هاشم وعلقت في الكعبة ـ سيتم التطرق إليها لاحقاً ـ مشياً على عادتهم. وكذلك كُتب نص صلح الحديبية(٤).
وقد أشار الشعراء في أشعارهم إلى هذه العادة، ومن ذلك قول درهم بن زيد الأوسي يُذَكِّر الخزرج ما بينهم من عهود مكتوبة على الصحف :
>وإن ما بيننا وبينَكُمُ حين يُقال : الأرحامُ والصحف<(٥)