ويظهر هذا في أشهر اسمين للقرآن الكريم وهما : القرآن والكتاب. ويتبين من الاسمين ـ القرآن والكتاب ـ أن كلاً منها يقصد به الجمع، أي جمع بعض الأشياء إلى بعض.
فالقراءة : عبارة عن جمع الحروف في الفم ثم النطق بها، وهو ما يسمى بالجمع الصوتي للقرآن الكريم. والكتاب كما سيظهر عن قريب عبارة عن جمع الحروف والكلمات في السطور. يقول الإمام ابن قتيبة :>وأصل القراءة : جمع بعض الحروف إلى بعض. وإنما سمي القرآن قرآناً لاجتماع بعض سوره إلى بعض. قال تعالى :﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾(١). أي : إذا جمعناه، فاتبع جمعه. ويقال : إذا ألَّفناه(٢).
يقول دراز :>روعي في تسمية ـ القرآن ـ قرآناً كونه متلواً بالألسن، كما روعي في تسميته كتاباً كونه مدوناً بالأقلام... وفي تسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين لا في موضع واحد، أعني أنه يجب حفظه في الصدور والسطور جميعاً، أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى. فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من الأصحاب، والمنقول إلينا جيلاً بعد جيل على هيئته التي وضع عليها أول مرة. ولا ثقة بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو عند الحفاظ بالإسناد الصحيح المتواتر<(٣).
وفي تسميته بالكتاب إشارة إلى جمعه في السطور، لأن الكتابة جمع للحروف ورسم للألفاظ... وسمي هذا الوحي بالكتاب وبالقرآن لامتياز الوحي المحمدي في مراحله كلها بهذه العناية المزدوجة في صيانة نصوصه وحفظ تعاليمه منقوشة في السطور، مجموعة من الصدور(٤).
ومعلوم أن الجمع في لغة العرب يطلق ويراد من بين دلالته الحفظ والاستظهار في الصدور. وقد يطلق ويراد منه الكتابة والتسجيل في الكتب. فكلمة جمع القرآن تطلق تارةً ويراد منها حفظه واستظهاره في الصدور. وتطلق تارةً أخرى ويراد منها كتابته كله حروفاً وكلمات وآيات وسوراً. هذا جمع في الصحائف والسطور وذاك جمع في القلوب والصدور(٥).
وقال الزركشي :>فإن معاني جمع القرآن تتلخص في أربعة : الحفظ في الصدور ـ الكتابة في الصحف المتفرقة ـ الترتيب للآيات والسور ـ الجمع في مصحف واحد(٦).
وكتابة القرآن في الصحف والسطور مرت بثلاثة أطوار وهي :
كتابته في عصر النبي ﷺ ـ وهو ما سيدور البحث حوله ـ. وكتابته في عصر أبي بكر رضي اللّه عنه. وكتابته في عصر عثمان رضي اللّه عنه(١).