لذا يود الباحث أن يشير إلى الوسيلة الثانية التي تم بها حفظ القرآن الكريم من التحريف أو التبديل أو الضياع أو الفقدان وهي الجمع الكتابي. والدراسة هذه مخصصة في أخذ مرحلة زمنية محدودة، وهي كتابة النص القرآني في العهد المكي فقط، لأن كتابة القرآن في المدينة أصبحت من الأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى الدراسة والبحث، نظراً للأدلة الصريحة التي وردت في ذلك، ولكثرة ما كتب فيه. ويحبذ الباحث قبل الدخول في الموضوع أن يشير وبإيجاز شديد إلى الوسيلة الأولى لحفظ القرآن ألا وهي الجمع الحفظي، التي اعتاد الباحثون المسلمون على تسميتها بالوسيلة الأولى والأساسية في حفظ القرآن الكريم من التحريف. ويناقض أكثر الذين يذهبون هذا المذهب أنفسهم عند الحديث عن جمع أبي بكر للقرآن الكريم بأنه لم يقبل إلا ما توافر فيه الحفظ والكتابة معاً فلو كانت الكتابة وسيلة ثانوية لما اشترط لقبول قرآنية القرآن توفر الحفظ والكتابة، أو الشاهدين يشهدان على أن المكتوب كتب بين يدي النبي !، وعليه فالأولى أن يقال إن الحفظ والكتابة كانتا وسيلتين أساسيتين في حفظ القرآن الكريم، وأن النبي ﷺ قد توفي والقرآن كله مجموع في الصدوروالسطور.
الجمع الحفظي
وهو عبارة عن حفظ النص عن ظهر قلب، وهو من خصائص هذه الأمة، وظاهرة مستمرة إلى يوم القيامة، وفيها تحقيق لوعد اللّه عز وجل :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإَنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾(٢).
وسَيد مَنْ حفظ القرآن الكريم الرسول الأمين ﷺ فقد كان مولعاً بالحفظ والتلاوة لما يسمع من جبريل وما يوحي إليه حتى طمأنه الباري بقوله :﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى ﴾(٣). وقد حفظ القرآن من الصحابة عدد كثير، ويظهر ذلك جلياً مما تواتر نقله أنه قد استشهد أكثر من سبعين منهم في بئر معونة فقط، وكذا في معركة اليمامة. والحديث عن الجمع الحفظي قد أُشبع بحثاً، فعليه لا يحتاج إلى تكرار ما قد قاله الآخرون في هذا المجال.
الجمع الكتابي
الكتابة في اللغة : مصدر كتب، يقال : كَتب يكتُب كَتْبا وكتاباً وكِتابةً ومَكتَبة وكِتْبة فهو كاتب ومعناها الجمع، يقال : تكتَّبت القوم إذا اجتمعوا، ومنه قيل لجماعة الخيل كَتِيبة، ومن ثَمَّ الخط كتابة لجمع الحروف بعضها إلى بعض كما سمِّي خَرْز القربة كتابةً لضم بعض الخُرَز إلى بعض(١).