وقد اتخذ النبي ﷺ كُتَّاباً للقرآن الكريم كان يأمرهم بكتابة ما ينزل من القرآن الكريم حال نزوله لا يتأخرون عنه، وليس في ثبوت هذه الحقيقة من اتخاذه كتاباً يكتبون القرآن أدنى شك ولا خلاف، والروايات التي سبقت في إثباتها بلغت مبلغ التواتر المفيد للقطع. قال الزركشي :>كان النبي ﷺ كلما أنزل عليه شيء من القرآن أمر بكتابته ويقول في مفترقات الآيات : ضعوا هذه في موضع كذا<(٢) وقد كان من بين الكُتّاب الذين يستكتبهم النبي ﷺ كثيراً، الخلفاء الأربعة، وعامر بن فهيرة وخالد بن سعيد وعبد اللّه بن أبي سرح وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وخالد بن الوليد ومعاوية وثابت بن قيس(٣)... إلخ.
وكان أكثرهم من المكيين(٤). ولا شك أن أغلبهم كان من السابقين إلى الإسلام. وغالب الظن أن هذا الإحصاء لم يشمل كل من انتدب لكتابة الوحي فيكون العدد أكثر من ذلك. وعلى أية حال فإن هذا العدد نفسه يدل على أن كتابة القرآن الكريم باستكتاب النبي ﷺ لم تكن أمراً عارضاً، وإنما هي عمل أساسي من أعمال الدعوة قد خصصت له مؤسسة تقوم عليه هي مؤسسة كتاب الوحي(١).
وإذا رجعنا إلى الكتب التي تتحدث عن كتابة القرآن الكريم في عهد النبي ﷺ نجد أنهم يطلقون القول أو العبارة (كتابة الوحي في العهد النبوي) ولا يقسمون ذلك إلى العهد المكي والعهد المدني سواء كُتُب المتقدمين أم المتأخرين، مما يدل على أن كتابة القرآن كانت قد غطت مراحل النزول كلها مكيها ومدنيها، خلافاً لما انتهى إليه بلاشير ودائرة المعارف الإسلامية وبعض الباحثين المسلمين، من أن المرحلة المكية لم يكن القرآن يكتب فيها، وإنما بدأت كتابته في السنوات الأولى من العهد المدني. ولإثبات ما ذكر سابقاً من أن القرآن كان يكتب في جميع مراحل النزول وبالتحديد في العهد المكي، سيقوم الباحث بذكر أدلة من القرآن المكي نفسه تضمنت ألفاظ ملهمة ومثبتة للكتابة، ومن الحديث ومن السيرة النبوية.
المبحث الثاني : الأدلة من القرآن المكي