إضافةً إلى ماسبق ذكره في الفصل الأول عن حالة الكتابة في مكة، التي أظهرت أن المناخ الثقافي كان مناسباً ومهيئاً لكتابة القرآن الكريم، فإنه وبتصفح بسيط للآيات القرآنية المكية، يجد الباحث أن فيها إشارات كثيرة إلى أدوات الكتابة وما يتعلق بها في مخاطبتها للعرب الذين أُلصقت بهم صفة الجهل بالقراءة والكتابة، مما يدل على أن العرب في ذاك الزمان لم يكونوا على جهل بالكتابة وما يتعلق بها. وعليه ستكون للدراسة وقفة مع الآيات القرآنية المكية ـ المثبتة لألفاظ الكتابة والتدوين ـ وما قيل في تفسيرها من قبل المفسرين واللغويين.
لا يخفى على الناظر في القرآن الكريم ذاك الزخم الهائل من الآيات التي تتضمن متعلقات الكتاب. فقد ورد في القرآن الكريم حوالي ثلاثمائة مرة مادة الكتاب وما اشتق منه(١). من ذلك وردت (١٤٥) مرة في القرآن المكي(٢). مما يدل على أن العرب ولا سيما أهل مكة كانوا على دراية تامة بالكتابة والقراءة، لأنه لا يعقل أن يخاطب القرآن الكريم العرب بألفاظ لا علم ولا معرفة سابقة لهم بها. وعليه فلم يكن هناك مانع يمنع كتابة القرآن المكي النازل، كقلة من يعرف الكتابة وندرة وسائلها وغير ذلك مما قاله بعضهم في معرض كلامهم عن الجمع الحفظي للقرآن الكريم من أن معرفتهم بالكتابة كانت قليلة. فمن تلك الألفاظ بجانب الكتاب ومشتقاته : القراءة، الصحف، الرق، السجل، القرطاس، الزبور(٣)، القلم، المداد والخط... وعليه سيتم اختيار عدد من هذه الألفاظ للبحث والدراسة من خلال تفسير الآيات المتضمنة لها ومنها :
١. القراءة : وردت لفظة القراءة وما اشتق منها حوالي تسعين مرة في القرآن الكريم(١). وقد قال سبحانه وتعالى في أول ما نزل من الدستور الإسلامي(٢)، مخاطباً رسوله ﷺ :﴿ اقْرَأ باسْم رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بالقَلَمِ، عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم ﴾(٣). ولم تأت هذه اللفتة بدون قصد أو اعتباطاً، وإنما جاءت لتنبيه وحث النبي ﷺ على القراءة والكتابة، ويتضح هذا أكثر إذا ما عُرف أن الآيات التي تلت هذه أيضاً كانت متعلقةً بأدوات الكتابة، وأن أول قَسَمٍ أقسم به اللّه سبحانه كان بالقلم :﴿ ن والقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُون ﴾(٤).


الصفحة التالية
Icon