٨. الكتاب : ويقال إن : أول تسمية للقرآن على أنه كتاب، وردت في السورة الثامنة والثلاثين من النزول وهي (الأعراف ١ و٥١) ـ وهي من السور المكية ـ... فلم يُسم ـ القرآن ـ في أول أمره كتاباً، بل قرآناً، أي كلاماً يتلى بعد التلقين، ثم وصف هذا المتلو بأنه ذكر وتنزيل و... إلخ. ولما أصبح النازل منه كثرة يصح أن يكون كتاباً سمِّي كتاباً، ثم اندمجت المعاني ببعضها فاكتسبت الصفات والمصادر معنًى مفهوماً واحداً، وأصبحت تعني شيئاً واحداً، فالقرآن هو الكتاب، وهو الذكر وهو التنزيل، وهو الفرقان، والعكس بالعكس(٦). فمن الآيات التي أطلقت فيها الكتاب على القرآن قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾(١). والآية مكية، ومعلوم أن المس يكون لشيء مادي محسوس مكتوب، ـ وقد سبق بيان ما المقصود من الكتاب في الأصل عند العرب ـ، وإلا فلو كان عبارةً عن تلاوة فقط، لما تطلب الأمر هذا النهي.
يقول دروزة :>فهذه الآيات وتلك وإن كانت تشير إلى صلة القرآن بالملائكة وطهارة أصله ومصدره وكرامته، فإن روح عبارتها تلهم أيضا بقوة أن القرآن صار مكتوباَ في صحف وصار لهذه الصحف واجب التكريم فلا يمسها إلا المطهرون. وهذا ما كان يجري فعلاً كما جاء في الروايات الوثيقة، وخاصةً في رواية إسلام عمر ـ ستأتي لاحقاً ـ وصحيفة القرآن التي كانت في يد أخته، ورَفْضِها تسليمها إليه إلا بعد أن يتطهر(٢). وأصل التقليد الإسلامي الفقهي بعدم جواز مس المصحف إلا على طهارة هو من هذا الباب<(٣).
يقول الإمام الزمخشري :>مكنون، مصون من غير المقربين من الملائكة، لا يطلع عليه من سواهم، وهو المطهرون من جميع الأدناس أدناس الذنوب وما سواها : إن جعلت الجملة صفة لكتاب مكنون وهو اللوح. وإن جعلتها صفة للقرآن، فالمعنى : لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على الطهارة من الناس، يعني من مس المكتوب منه، ومن الناس من حمله على القراءة أيضاً، وعن ابن عمر : أحب إليّ أن لا يقرأ إلا وهو طاهر<(٤).