وللفقهاء في هذه الآية كلام طويل، يكتفي الباحث فقط بالإشارة إلي ما نقله الجصاص، بقوله :>رُوي عن سلمان أنه قال : لا يمس القرآن إلا المطهرون فقرأ القرآن ولم يمس المصحف حين لم يكن على وضوء. وعن أنس بن مالك في حديث إسلام عمر قال : فقال : لأخته أعطوني الكتاب الذي كنتم تقرؤون. فقالت : إنك رجس، وإنه لا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأه وذكر الحديث. وعن سعد إنه أمر ابنه بالوضوء لمس المصحف. وعن ابن عمر مثله وكره الحسن والنخعي مس المصحف من غير وضوء. وروي عن حماد أن المراد القرآن الذي في اللوح المحفوظ لا يمسه إلا المطهرون يعني الملائكة، وقال أبو العالية في قوله لا يمسه إلا المطهرون قال : هو في كتاب مكنون ليس أنتم من أصحاب الذنوب، وقال سعيد بن جبير وابن عباس : المطهرون الملائكة، وقال قتادة : لا يمسه عند اللّه إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي والنجس والمنافق، قال أبو بكر : إن حمل اللفظ على حقيقة الخبر فالأولى أن يكون المراد القرآن الذي عند اللّه، والمطهرون الملائكة، وإن حمل على النهي وإن كان في صورة الخبر كان عموماً فينا وهذا أولى لما روي عن النبي ﷺ في أخبار متظاهرة : أنه كتب في كتابه لعمرو بن حزم ولا يمس القرآن إلا طاهر، فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية إذ فيها احتمال له آخر سورة الواقعة<(١).
إضافةً إلى آيات أخرى كثيرة فيها إشارات واضحة إلى أدوات الكتابة، وعليه لم يكن الحديث عن مثل هذه الأدوات أمراً غريباً عند أهل مكة والذين خاطبهم القرآن، لأنهم كانوا على دراية تامة وعلم مسبق بها. وكان القرآن النازل يكتب في صحف تتداولها القلة المسلمة في مكة.
المبحث الثالث : الأدلة من الحديث والسيرة النبوية
١. كُتَّاب القرآن المكي
يدل على كتابة القرآن الكريم في العهد المكي ورود عدد من أسماء كُتّاب القرآن الكريم في العهد المكي في كتب الحديث والسيرة النبوية والتراجم. منهم :
عبد اللّه بن أبي سرح : كان من كُتّاب النبي ﷺ الذين كتبوا له في مكة قبل الهجرة إلى المدينة المنورة، ثم ارتد عن الإسلام فأهدر الرسول دمه ثم رجع إلى الإسلام بعد فتح مكة بعد أن شفع له عثمان بن عفان رضي اللّّه عنه(١).


الصفحة التالية
Icon