فالاختلاف في تحديد أول من كتب في مكة يعتبر أكبر دليل على أن القرآن المكي كان يكتب. وأن النبي ﷺ كان له كُتّاب عديدون وليس كاتب واحد، بدليل هذا الاختلاف فيمن كتب له أولاً في مكة قبل الهجرة. ومع أن كتبة القرآن في مكة كانوا أقل عدداً عما كان عليه الحال في المدينة بعد الهجرة(١). إلا أنه لا شك وكما يقول الفيومي :>أنه كان يوجد في مكة من الكتبة من يسد هذه الحاجة، ويقوم بتلك المهمة<(٢)، ومن أول نزول القرآن الكريم على النبي ﷺ، حيث أن أوائل المسلمين كانوا من الكتبة.
إلا أنه لا بد من الإشارة إلى ظاهرة غريبة في الكتب التي تتحدث عن كُتّاب النبي ﷺ بصورة عامة وكُتّاب القرآن الكريم بصورة خاصة ولا سيما الكتب المعاصرة، وهي عدم الموضوعية في مراعاة تاريخ إسلام هؤلاء الكُتّاب، فأول من تذكرهم من كُتّاب النبي ﷺ تذكر الذين تأخر إسلامهم إلى ما بعد الهجرة، وكان الأولى أن يتم ذكر الذين أسلموا قديماً حتى يشمل بذلك العهدين المكي والمدني(٣). والأسوأ من هذا أن من الباحثين من يأتي ليرد على بلاشير في نفيه لكتابة القرآن في مكة فيذكر في معرض رده عدداً من كتاب النبي ﷺ المكيين الذين تأخر إسلامهم إلى ما بعد الهجرة إلى المدينة، أو أسلموا في فتح مكة أو قريباً منه، أمثال خالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم(٤).
٢. قصة إسلام عمر بن الخطاب
تدل على أن القرآن الكريم كان يكتب في العهد المكي رواياتُ قصةِ إسلام عمر بن الخطاب، وقد نقلت بروايات كثيرة جداً يقوى بعضها بعضاً.