نقل ابن إسحاق ذلك فقال :>وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت قد أسلمت وأسلم بعلها سعيد بن زيد وهما مستخفيان إسلامهما من عمر، وكان نعيم بن عبد اللّّه النحام ـ رجل من قومه من بني عدي بن كعب ـ قد أسلم وكان أيضاً يستخفي إسلامه خوفاً من قومه وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن، فخرج عمر يوماً متوشحاً بسيفه يريد رسول اللّه ﷺ ورهطا من أصحابه ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا، وهم قريب من أربعين من بين رجال ونساء، ومع رسول اللّه ﷺ عمه حمزة بن عبد المطلب وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين رضي اللّه عنهم، ممن كان أقام مع رسول اللّه بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة، فلقيه نعيم بن عبد اللّّه فقال له : أين تريد يا عمر ؟ فقال : أريد هذا الصابئ الذي فرَّق أمر قريش وسفَّه أحلامها (...) فرجع عمر عامداً إلى أخته وختنه ـ زوج أخته ـ، وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها طه يقرئهما إياها (...) وقال لأخته أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون آنفاً، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد (...) فأعطته الصحيفة وفيه طه فقرأها فلما قرأ منها سطراً قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه (...)<. الرواية(١).
ويبدو من ظاهر الرواية أنه كان من عادة خباب بن الأرت الذهاب إليهما لتدارس القرآن معاً كحلقة دعوية تنظيمية صغيرة، وهذه لا شك نموذج لكيفية تعلم وتعليم القرآن في العهد المكي، حيث غالباً ما يتم الاعتماد في الدعوات السرية على الوثائق المكتوبة لخفتها وسهولة تبادلها بين أفراد الجماعة الواحدة، ولا سيما في الظروف الأمنية الحرجة التي عادةً ما يكون فيها أفراد المجموعة مراقبين من قبل الطرف المقابل.
ولم يكن القصد من ذهاب خباب إليهما لتعليمهما القراءة، فقد ثبت أن سعيداً كان من الذين يعرفون الكتابة والقراءة هو ووالده الذي كان واحداً من مشاهير الحنفاء ـ سبق ذكره ـ الذين قرؤوا الكتب الدينية قبل البعثة النبوية. وعليه فإن عملية تعليم القرآن الكريم وتدارسه كما هو معروف يحتاج إلى أدوات التعليم من صحف ونحوها وهو ما يظهر هنا بشكل واضح.