نجد النبي ﷺ في أحلك الظروف وأخطر اللحظات من حياته التي تمثل نقطة الانعطاف في مسيرة الدعوة الإسلامية، ألا وهي لحظة الخروج من بيته مهاجراً إلي المدينة. وقد أحاط المشركون ببيته لينالوا منه، واستمرت مطاردتهم له، وأعلنوا عن مكافأة كبيرة لكل من يأتي به ﷺ حياً أو ميتاً، مع كل هذه المخاطر نجده ﷺ يحمل معه ضمن الأشياء القليلة التي حملها معه إلى المدينة كامل أدوات الكتابة، ونجد أن بعض كتاب الوحي بقوا ملازمين له وملتفين حوله لتسجيل كل آية توحى إليه، فنجد أن كلا صاحبيه ﷺ في الهجرة أبو بكر الصديق وعامر بن فهيرة كانا من الكتبة المعروفين. ويدل على ذلك قصة كتاب الأمان لسراقة بن مالك بن جعشم. فقد روى البخاري في كتاب بدء الوحي، باب هجرة النبي ﷺ إلى المدينة على لسان سراقة :>... فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم. ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن اللّه سيظهر أمر رسول اللّه ﷺ، فقلت له : إن قومك قد جعلوا فيك الديَّة. وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يَرزَآني، ولم يسألاني إلا أن قال : اخف عنّا. فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى رسول اللّه ﷺ <(١).
وللأستاذ محمد صبيح كلام مضطرب في موضوع كتابة القرآن المكي، ولأهميته ينقله الباحث بطوله حيث يقول :>ولكننا نقلب ما بين أيدينا من مراجع لكي نظفر بصورة دقيقة واضحة عن طريقة كتابة الوحي في الفترة المكية التي استمرت نحو ثلاثة عشر عاماً فلا نكاد نظفر بشيء يستحق الذكر... حقيقة كان هؤلاء الصحابة الذين ذكرنا ـ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير ـ بجوار النبي، بعضهم منذ الدقيقة الأولى والبعض أسلم بعد سنين، ولكن وجودهم لا يدل على أنهم كانوا يقومون بمهمة تدوين القرآن في الفترة المكية... وذلك أن هذه الفترة كانت فترة اضطراب عنيف في حياة الإسلام، فقد كان معتنقوه قلة قليلة جداً تعد بالعشرات وكانت قريش تلاحقهم بأذاها المتصل وتضيق عليهم الخناق، فهل يمكن أن نفرض وجود نظام ثابت لتدوين الوحي في هذه الفترة.


الصفحة التالية
Icon