وإذن فنحن لا نستطيع أن نجزم بأن القرآن لم يدون في الفترة المكية، ولكنا على ثقة من أن وسيلة العلم المؤكد لدينا بنبأ هذا الموضوع ليست ميسورةً ولا هي ممكنةً... وعلى هذا فإنا نلجأ إلى بعض الفروض، ونستند إلى إشارات خفيفة مفرقة في بعض المراجع<(١).
ثم يضيف في موضع آخر :>أن النصوص التي بين أيدينا لا تقطع بأن القرآن كان يدون في العهد المكي... فقد استمر الوحي ينزل على رسول اللّه عشر سنين في هذه الفترة، ولم تكن ظروف النبي في مكة لتسمح له بحالة من الاستقرار تساعد على التنظيم المنتظم، وكل ما رجحناه هو أن صحفاً معينةً كانت تكتب من القرآن ويتداولها المسلمون سراً، ليتدارسوها في بيوتهم، بعيداً عن أعين قريش وعن أذاها المتصل<(٢).
ففي قصة سراقة هذه تفنيد ودحض لما ذهب إليه الكاتب من أن الظروف الصعبة في مكة والملاحقة المستمرة لم تكن لتسمحا للمسلمين بكتابة القرآن ! فمما لا ريب فيه أن ظروف النبي ﷺ في مكة كانت أحسن مما كانت عليه لحظة الخروج من بيته متوجهاً صوب المدينة، والملاحقة كانت في أوجها وبشكل أعنف مما كانت عليه خلال السنوات الثلاث عشر التي قضاها النبي ﷺ وصحبه في مكة، لأن العصبة الماسكة بزمام الأمور كانت تعتبر خروج الرسول ﷺ من مكة تهديداً صارخاً لمصالحها ولأمنها، لذا أعلنت الجوائز والمكافآت للإتيان بالنبي ﷺ حيّاً كان أو ميتاً، ولكن رغم ذلك وكما يتبين من الرواية الصحيحة الصريحة لم يهمل النبي ﷺ أدوات الكتابة تحسباً لنزول القرآن عليه في أثناء الهجرة. فهل يصح بعد هذا كله أن يدَّعي أحد أن الظروف الصعبة والملاحقة المستمرة وقفتا مانعتين من كتابة القرآن في مكة لذا كان الاعتماد على الحفظ فقط ؟!
٦. وضع الآيات في أماكنها
قوله ﷺ فيما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الثلاثة وصححه ابن حبان والحاكم من حديث عبد اللّه بن عباس عن عثمان بن عفان قال :>كان رسول اللّه ﷺ مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو من يكتب عنده فيقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا...< الحديث(١).


الصفحة التالية
Icon