يمكن الاستدلال بالحديث على أن القرآن المنزل كان كله مكتوباً ـ مكيه ومدينه ـ وإلا فكيف يقول الرسول ﷺ ضعوا هذا في الموضع الفلاني، ولا يعقل أن يدعي أحد أن هذا كان المقصود به القرآن المدني دون المكي. ويتضح هذا أكثر إذا ما علمنا أن هناك سوراً عديدةً نزلت في مكة، وبعد عشر سنوات أو أكثر نزلت آيات منها في المدينة كسورة الأعراف وسورة الأنعام(٢) وغيرها كثير. ففي المدينة عندما كان الرسول ﷺ يأمرهم بقوله :>ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا...< معناه : أن السور المكية كلها وليس بعضها كانت مكتوبة ومعلومة أماكنها للكتبة من الصحابة وغيرهم.
فإن قيل إن القرآن المكي قد تمت كتابته في المدينة بعدما استقر المقام برسول اللّه ﷺ هناك، وبعدما كثرت الكتابة وكثر عدد الكتاب من المسلمين واستقر شأنهم. فالجواب أن هذا لم يثبت ولم ينقله أحد ولو بطريق ضعيف، بل لم يقل به أحد. مع العلم أن سيرة النبي ﷺ في المدينة قد نقلها الصحابة كاملةً واضحةً تمام الوضوح حتى أبسط دقائق وجزئيات حياته ﷺ، فقد كان الصحابة حريصين كل الحرص على نقل كل شيء من سيرته ﷺ. إذن فكيف يعقل أن يأمر النبي ﷺ الصحابة بكتابة ذلك الزخم الكبير من الآيات والسور التي تعادل ثلثي القرآن ولا ينقلها أحد من الصحابة ! فلو حدث ذلك لكان من الأمور التي يذكرها مؤرخو السيرة النبوية ضمن أعماله ﷺ التي قام بها في المدينة، ولكن لم يحدث ذلك مما يدل على أن القرآن المكي كان كله مكتوباً، فيأمرهم النبي ﷺ بوضع الآيات المدنية في السور المكية التي كتبت في مكة.
٧. جمع أبي بكر للقرآن