ومما يدل دلالةً واضحةً على أن القرآن المكي كله كان قد كتب في مكة، أنه لم يذكر أحد لا من المتقدمين ولا من المتأخرين أن الجمع في عهد أبي بكر رضي اللّه عنه إنما كان نسخاً ونقلاً لما في صدور وصحف الصحابة التي كتبت بين يدي النبي ﷺ بالنسبة للقرآن المدني، أما المكي فقد تم الاعتماد في نسخه ونقله على ما في صدور الحفاظ فقط، لأنه لم يكن مكتوباً. بل المعروف والثابت أن النسخ والنقل كان لما في الصدور والسطور بالنسبة لكل القرآن الكريم مكيه ومدنيه وبدون استثناء، ففي البخاري عن زيد بن ثابت :>لما نسخنا الصحف في المصاحف...<(١). ومعلوم أن زيد بن ثابت ومن معه لم يكونوا يقبلون من أحد شيئاً إلا إذا شهد اثنان من المسلمين على أن المكتوب الذي معه قد كتب بين يدي النبي ﷺ وذلك بموجب الدستور الذي وضعه أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه في جمع القرآن، فقد جاء في الحديث أن أبا بكر قال لعمر وزيد اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب اللّه فاكتباه. يقول الحافظ العسقلاني :>وقد كان النبي ﷺ أذن في كتابة القرآن ونهى أن يكتب معه غيره، فلم يأمر أبو بكر إلا بكتابة ما كان مكتوباً، ولذلك توقف ـ زيد ـ عن كتابة الآية من آخر سورة براءة حتى وجدها مكتوبةً، مع أنه كان يستحضرها هو ومن ذكر معه<(٢). ويضيف في موضع آخر :>وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي ﷺ لا من مجرد الحفظ<(٣). فذلك يدل على أن القرآن المكي كان كله مكتوباً. وقد سبق أن احتمال كتابة القرآن المكي في المدينة بعد الهجرة النبوية أمر مرفوض وغير صحيح ولم يثبت ولو بطريق ضعيف.
٨. زخم القرآن المكي
ينضاف إلى كل ما سبق أنه لا يعقل أن يتم إهمال القرآن المكي من دون كتابة، هذا إذا ما علم أنه يمثل ثلثي القرآن الكريم، وهو ما يعادل أكثر من ثمانين سورة ـ ثلاث وثمانين وقيل : خمس وثمانين،(٤) أو ست وثمانين سورة ولا يظن ظان أن أغلب سور القرآن المكي من السور القصار وعليه لا يشكل زخما كبيراً، لأنه وكما سبق أنه يمثل ثلثي القرآن الكريم، وهناك الكثير من السور الطوال ضمن القرآن المكي أمثال :(سورة الأعراف وهي أطول السور المكية وثالثة السور القرآنية طولاً)(١)، إضافةً إلى ذلك فإن ثلاثة من السور الطوال السبع مكيات(٢).


الصفحة التالية
Icon