ومعلوم أن هناك إجماعاً على أن النبي ﷺ ما لحق بالرفيق الأعلى إلا والقرآن الكريم كله مكتوب في الصحف والرقاع من دون فرق بين المكي منه والمدني ولكنه لم يكن مجموعاً في مصحف واحد، وهو ما قام به زيد بن ثابت بأمر من خليفة المسلمين أبي بكر رضي اللّه عنه. وبمراجعة أي كتاب أو أي نص يجد الباحث التأكيد على أن جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي اللّه عنه إنما كان بمثابة نسخ ونقل لما كتب بين يدي النبي ﷺ بيد أنه لم يكن مجموعاً في مكان واحد وإنما كان مفرقاً في الصحف.
ومع كل ما سبق فقد ساهمت ظروف الدعوة في مكة، وكذا تركيز مؤرخي السيرة على جوانب فقط من العهد المكي، مثل ما كان يتعرض له الرسول الأكرم ﷺ وصحابته من سخرية واستهزاء ومضايقة، ومن ثم ثباتهم على إيمانهم ونحو ذلك من القضايا، أقول ساهم كل ذلك في إخفاء وحجب جوانب أو جزئيات كثيرة من سيرة الرسول ﷺ ومن ذلك مسألة كتابة القرآن المكي. وعليه فإن اهتمام المؤرخين لم يتجه صوب هذه المسألة الحساسة، إما لأن الموضوع كان من البديهي عندهم بحيث لم يكن هناك من داع للخوض فيه إلى أن جاء المستشرقون وطرحوا بعض الشبهات والشكوك في هذا المجال، مما حدا ببعض الباحثين المعاصرين للرد على ما صدر منهم. أو أنه كان هناك غموض في جوانب من سيرة الرسول ﷺ في مكة، فقفز عليه المؤرخون وكثير ممن كتبوا في الموضوع، ولا سيما في العصر الحالي وهو أمر محتمل، فاكتفوا بترديد ما قاله العلماء القدامى في مجال جمع القرآن الكريم ولا سيما في العهد المدني، وهو ما يعنونون له في الكتب بجمع القرآن في العهد المدني.
(١) القرآن الكريم دراسة لتصحيح الأخطاء الواردة في الموسوعة الإسلامية، ص ٦٠.
(٢) الرازي : ضياء الدين عمر : مفاتيح الغيب، (د. م : دار الفكر، ط ٣، ١٩٨٥م) مج ١٠، ج ١٦٥/١٩.
(٣) سورة القيامة ١٨/.
(٤) ابن قتيبة، عبد اللّه بن مسلم : رسالة الخط والقلم، تحقيق : حاتم صالح الضامن، (بيروت : مؤسسة الرسالة، ط ٢، ١٩٨٩م) ص ٢٩.
(٥) دراز، محمد عبد اللّه : النبأ العظيم : نظرات جديدة في القرآن، تخريج وتعليق : عبد الحميد أحمد الدخاخني، (مصر : دار المرابطين، ط ١، ١٩٩٧م) ص ٦.
(٦) الصالح، صبحي : مباحث في علوم القرآن، (بيروت : دار العلم للملايين، ط ١٨، ١٩٩٠م) ص ١٧.