ولا يستبعد والحالة هذه أن النبي ﷺ في هجرته قد حمل ما بقي من المكتوب حيث كان معه ثلاثة من الجمال، والذي يقوي هذا ما سبق ذكره من قصة كتاب الأمان لسراقة، حيث ثبت وبالخبر الصحيح أن النبي ﷺ قد حمل معه كل أدوات الكتابة اللازمة لكتابة ما يحتمل نزوله من القرآن في أثناء الهجرة، فالذي يحمل معه أدوات الكتابة في تلك اللحظة الحرجة الحساسة، لا يعقل بعد ذلك أن يترك أو يهمل حمل المكتوب، أو يهمل الكتابة في مكة.
المبحث الثاني : أدوات الكتابة في العهد المكي
المشهور عند الناس أن القرآن إنما كتب على وسائل تعتبر بدائية إلى أقصى الحدود، وتكاد تتفق على ذلك كلمة المؤرخين والباحثين، وبمجرد فتح أي كتاب نجد الباحث يبدأ حديثه بما اشتهر وتناقله المؤرخون من أن القرآن كان قد كتب في العهد النبوي على العسب والأكتاف واللخاف. فلا تكاد ترى واحداً منهم قد خرج أو حاول أن يبدأ كلامه بشيء آخر غير ذلك إلا قلة نادرة من الباحثين، الذين حاولوا بيان مدى الصحة في إطلاق هذه المقولة التي هي في نظر الباحث ليست وصفاً دقيقاً ولا علمياً عما كانت عليه أدوات كتابة القرآن الكريم في العهد النبوي، ولا يعبر عن كل الحقيقة. وقد أطلق الباحث عبارة المقولة الشائعة أو المشهورة وليس الحديث الشائع أو المشهور، لأن هناك فرقاً واضحاً بين الحديث المشهور الصحيح وبين المقولة التي اشتهرت عند من كتب في موضوع جمع القرآن الكريم. حيث اقتطعت من حديث زيد بن ثابت الموجود في البخاري اقتطاعاً، وتم التركيز عليها من قبل المؤرخين والعلماء، وقد تم إهمال الجزء الآخر من الحديث في أكثر الأحيان والذي يعتبر من الأهمية بمكان، ألا وهو كلمة الرقاع والتي فسرها الحافظ ابن حجر بقوله قد تكون من جلد أو ورق أو كاغد، وكذا لفظة الصحف التي وردت في الروايات الصحيحة للحديث. فكان الأولى وحسب تلك الرواية الصحيحة والتي قدم فيها لفظة الصحف أن يقول الباحثون إن القرآن الكريم كان يكتب على الصحف والرقاع ومن ثم يتم ذكر الأدوات الأخرى من أعساب ولخاف، الخ.


الصفحة التالية
Icon