والذي يبدو من سياق الأحداث أن هذه المقولة صدرت من زيد بن ثابت ليست على سبيل الحصر، وإنما ـ والله أعلم ـ أنه ماأراد إلا بيان مدى صعوبة المهمة التي تم تكليفه بها من قبل خليفة المسلمين أبي بكر رضي الله عنه، ودقة المنهج الذي تم اتباعه من قِبَلِهِم بحيث إنهم لم يهملوا ولا قطعة حجر أو عظم أو جريد نخل، وإنما تتبعوا كل شيء كتب عليه القرآن. أو أن ذلك جاء لوصف الحالة وطبيعة العمل من أنهم تتبعوا حتى قطع الأحجار والعظام والأعساب التي تمت الكتابة عليها من قبل بعض الصحابة بعمل فردي ليس له علاقة بمؤسسة كتاب الوحي التي كان يشرف عليها النبي ﷺ بنفسه. أو أن الآيات المنزلة كانت تكتب على الصحف مباشرة إلا في الحالات القليلة التي لم تتيسر فيها الصحف فتكتب على الأكتاف والعظام، أي في الحالات الضرورية. وعليه أريد بهذه المقولة بيان ووصف دقة المنهج المتبع من قِبَلِ زيد واللجنة المكلفة بذلك من قِبَلِ الخليفة، وأنه كان من الدقة بحيث لم يهملوا ولا قطعة حجر أو عظم كتب عليه القرآن لطارئ طرأ أو كتبه أحد الصحابة لنفسه، أو كتب عليه القرآن فور نزوله. بدليل أنهم طلبوا من كل من عنده شيء مكتوب أن يأتي به، وقد (قعد عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت على باب المسجد)(٣) لتسلمه من الناس بعد التثبت من صحة الكتابة بين يدي النبي ﷺ والاستشهاد عليها من قِبَلِ شخصين. يقول دراز :>ولهذه كان الرسول كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه من فوره على كتبة الوحي ليدونوه على أي شيء في متناول أيديهم، مثل الورق أو الخشب أو قطع الجلد أو صفائح الحجارة وكِسَرِ الأكتاف... الخ<(٤).