ولو لم تكن هذه المقولة عامة شاملة لجميع مراحل كتابة القرآن لهان الأمر ولكن الذي يجعل الباحث يتيقن ـ والله أعلم ـ من أن هذه العبارة إنما صدرت على سبيل المبالغة في وصف وبيان مدى اهتمامهم بالقرآن الكريم ليس إلا، مجيئها بلفظ الإطلاق الذي يفيد أن القرآن الكريم ـ وكما أصبح من الشائع ـ إنما كُتِبَ على الوسائل المذكورة تلك في جميع المراحل مكيه ومدنيه.
فلا يعقل أن النبي ﷺ والصحابة كانو لا مبالين إلى هذا الحد في اهتمامهم بالقرآن الكريم بحيث يكتبون رسائلهم العادية في مناسبات كثيرة على الجلد وربما الجلد الجيد، أو الرقاع(٣)، ثم يأتون فيستخدمون الأحجار والعظام لكتابة أقدس شيء في حياتهم وهو النص القرآني الكريم. ولا يعقل أنهم كانوا فقراء أو بدائيين إلى هذا الحد في معرفتهم. وامتلاكهم لأدوات الكتابة، وقد تبين فيما سبق أن ما اشتهر على الألسنة من أمية أهل مكة والمسلمين بصورة عامة لم يكن صحيحا، أو أن أدوات الكتابة كانت غير متوفرة إلا تلك، فإنه قد ثبت وفي عصور متأخرة استخدام بعض الناس لتلك الوسائل البدائية نفسها، كما ورد من >أن الشافعي ـ ٢٠٤ هـ ـ كان يسجل الأحاديث النبوية على أكتاف الجمال لما كان طالباً للحديث في صغره<(٤). حيث نقل الشافعي :>كنت أتَلَقَّطُ الخَزَفَ والدُّفُوفَ(٥) وكَربَ النخل وأكتاف الجمال، فأكتب فيها الحديث<(٦). فهل يحق لأحد أن يقول أنه لم يوجد في عصر الشافعي إلا هذه الأدوات البدائية والمتخلفة لذلك كتب الحديث عليها بناءً على هذه الحادثة التي لا تمثل إلا حالة فردية ؟!. فالأولى حمل مثل هذه الأخبار على حالات فردية وعلى الضرورة.
فمن الأدلة التي تثبت أن الصحابة كانوا يمتلكون أدوات ووسائل أحسن مما اشتهر، وأنهم لم يكونوا يكتفون في كتابة القرآن على تلك الوسائل التي حملها الباحث على حالات الضرورة، أو الحالات الشخصية أو المبالغة في الدقة والتثبت، ما جاء من استخدامهم لأدوات أكثر تطوراً ومتميزة بالرقة وقابلية الطي والنشر ونحو ذلك منها :


الصفحة التالية
Icon