إن وجود القراطيس والصحف ليس أمراً مستبعداً في العهد المكي، بعد أن جاء ذكرها مراراً في القرآن الكريم في مخاطبته لمشركي قريش، فهناك آيات كثيرة من القرآن المكي تشير إلى وسائل وأدوات الكتابة المتطورة من القلم والقراطيس والسجل والصحف والرق والكتاب... الخ ومعلوم أن القرآن الكريم عندما كان يخاطب هؤلاء يخاطبهم بأسلوب يفهمونه ويضرب لهم أمثلة من واقعهم ويحدثهم عن أشياء كانوا على علم ومعرفة بها. فمن تلك الآيات قوله تعالى :﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي ٍِقِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَال الَّذِين كَفَرُوا إِنْ هَذاَ إلاَّ سِحْرٌٌ مُبِينٌ ﴾(١)، وقوله تعالى :﴿ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى للِنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدوُنَهاَ وَتُخْفُونَ كَثيراً ﴾(٢). وقوله :﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ﴾(٣)، وقوله :﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾(٤). وقوله :﴿ وَالطُّورِ وَ كِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقِّ مَنْشُور ﴾(٥).
يقول دروزة :>ولعل في آية القيامة(٦) قرينة على أن الصحف كانت تنشر وتطوى، وهو لا يمكن أن يتصف به إلا وسائل الكتابة اللينة كالقماش وورق الحرير والرقوق الناعمة المسواة... الخ. ولعل في آية سورة الأنبياء هذه ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّماَءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ(١) لِلْكُتُبِ ﴾(٢) قرينة أو بالأحرى دليلاً على أن طي الورق أو ما كان يقوم مقامه من وسائل الكتابة اللينة ليكون سجلاً للكتابة والتدوين كان مألوفاً شائعاً. وهذا لا يكون إلا حيث تكون الكتب والقراطيس والوسائل اللينة الأخرى<(٣). وكان المجاورون للعرب على معرفة وعلم بأدوات الكتابة الجيدة، مثل الروم وفارس ومصر وغيرهم ولا شك أن التجارة بين العرب وهؤلاء كانت جارية على قدم وساق.